محمد الرياني
مرةً من المراتِ ارتفعتْ درجةُ الغضبِ عندي فلم أتمالكْ نفسي، شعرتُ بارتفاعِ الضغطِ لدي عن حدِّه الطبيعي، كدتُ أختنق، فتحتُ أزرارَ ثوبي كي أتنفس، خرج كلُّ واحدٍ من أفرادِ الأسرةِ على صوتي المرتفع ، مابك؟! يسألونني عن هذا الصياح، أحدهم يقول لي لاتغضب، ليس من مصلحتك، الصباحُ جميلٌ ورائع، افتحِ الشباكَ لترى الظلالَ والعصافير، الصغيرةُ التي نامتْ بلعبتها وهي تحتضنها نظرتْ إليَّ ببراءة، أحدثتْ صوتًا كي تضحكني، كلُّ شيءٍ يبدو جميلًا لكنني لم أره كذلك، طلبوا مني الجلوسَ لأحكي لهم قصةَ الغضب ، ازددتُ غضبًا، لم أقل لهم إن رائحةَ البصلِ أصابتْني بالغثيانِ لدرجةِ الاستفراغ، جلسوا حولي لعلي أهدأ وأنا أحركُ قدميَّ لدرجة أنني أحدثتُ صوتًا في الأريكةِ التي أجلس عليها، وحدَها هي التي لم تحضر معهم، كانت مشغولةً في المطبخ، قالوا لي إن أمَّنا تصنعُ الطعامَ كي نفطرَ سويًّا، اشتطتُ غضبًا ونهضتُ أريد أن ألحقَ بها وأقلبَ أدواتِ المطبخ على رأسها، فجأةً زالتِ الرائحةُ التي عكرتْ مزاجي، أقبلتْ بهدوء وكأن شيئًا لم يكن ، أعلمُ أنها سمعتْ كلَّ صراخي وتهديدي، وضعتِ الطعامَ على الطاولةِ بنظامها المعهود، تحلّقَ الصغارُ كعادتهم كي يفطروا، جاءت نحوي قبل أن تغسلَ يديها، وضعتْ كفَّها على أنفي، صحتُ فيها!بصل… بصل، لم تمهلني، ضغطتْ على أنفي بقوةٍ وأنا أصيحُ وأنادي على أبنائها بأن ينقذوني من أمهم، قالت لهم لاتقتربوا منا، لن أتركه حتى يحترمَ البصل، أزلتُ يدَها بقوةٍ وهي تضحكُ ضحكتَها الرائعة، ابتسمتُ في وجهها، أمسكتْ بيدي وقادتْني إلى المغسلةِ القريبةِ وتكفلتْ بغسلِ يدي بمحلولٍ معطِّرٍ ثم وضعتْ كفَّها على أنفي لتزيلَ الرائحةَ التي أكرهُها، وضعتْ في فمي أولَ لقمةٍ وبادلتُها بالمثل، قمنا نحو الشباكِ القريبِ لننظرَ إلى الظلالِ والعصافير، الشباكُ واسعٌ لدرجةٍ تسمح لنا بالاستمتاع، بقيتْ هي تنظرُ إلى الخارج واكتفيتُ بالاستمتاعِ بمساحةِ وجهها، رأيتُه يفوقُ كلَّ شيء، همستُ في أذنها بأن تزيدَ كميةَ البصلِ في المرةِ القادمةِ وأن تضغطَ على أنفي أكثرَ حتى أرى كلَّ جمالها .