محمد الرياني
…. ونسرقُ فناجينَ الفخارِ المعلقةِ في الرُّبعِ المنزوي من العشة ، يأتي المطر لترتوي أجسادُنا وتغرقَ رؤوسُنا الصغيرة، نركضُ غرقى من هول المطر، تصيحُ أمي إلى أين أيها الشقي؟ أقفزُ مثلَ قفزِ الأشقياء لأسرقَ فنجانًا أو اثنين، حانَ وقتُ بناءِ البيوتِ من الوحل، تألقَ الترابُ الذي لم يزره المطر، اخضرَّ المكان، حضرتْ أقدامُنا الصغيرةُ تركضُ في المطر، اشتاقتْ لقذف السحابِ وللوحل، حنَّتْ إلى اللّهوِ البريء، سرقتْ مني الصغيرةُ التي جاءت للّعبِ فنجاني الثاني، الصدقُ هي لم تسرقه ، هي أخذتْه بالقوة، سحبتْه من يدي لتبني بيتَ الطفولة، أدخلتُ قدمي في الوحلِ وهي تنظرُ نحوي، فعلتْ مثلما أفعل، صنعتْ كومةً تعلو قدمَها الصغيرةَ وأنا أنظرُ لهذه الشقيَّةِ التي غسَلها المطر، رأيتُ أسنانَها تلمعُ كحباتِ البرَدِ التي تناثرتْ حولنا، بنيتُ بيتًا وهي تنظر إليَّ بإعجاب، لمحتُ هذا في نظراتِ عينيها الصغيرتين، ركَزْتُ عودًا في أعلى الكومةِ وناولتُها عودًا مثله، سحبتُ قدمي فانتصبَ البيتُ وفعلتْ مثلي، قلتُ لها عُشَّتِي الصغيرةُ أجمل، قالتْ بل عُشَّتي أجمل، فتحتُ بابًا صغيرًا وأدخلتُ منه بعضَ حبَّاتِ البَرَد، فتحتْ بابًا مثله في كومةِ الوحل، وقفنا ننظرُ لكومتين متجاورتين ولايزال المطرُ يغسلُ أجسادَنا، نادتْني أمي تريدُ الفناجينَ من أجلِ قهوةِ المطر، عدتُ مهرولًا، داستْ قدمي على فنجانٍ والصغيرةُ تتبعني ، داستْ على الفنجان الآخر ، انكسرَ الفنجانان، عدتُ معتذرًا، أقبلتْ أمي نحوي تريدُ العقاب، ازدادَ المطر، غرقَ المكان، بقيتُ أرتجفُ من البرْدِ والبرَد ، ضمَّتْني كيومِ ولادتي، عدتُ معها ونظري يرقبُ البناءَ الذي بنتْه قدمي، بقيتْ الصغيرةُ تحرسُ المكان، تسللتُ من جديدٍ لفنجانيْن آخريْن، غافلتُ أمي وعدتُ أحشو الفنجانين بالوحلِ والصغيرةُ تساعدني ، نَبَتَتْ بالمكانِ بيوتُ اللّهْوِ وحبَّاتُ البَرَدِ من حولها.