د . ضيف الله مهدي
في سورة المزمل يقول الله تبارك وتعالى : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ، والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ، علم أن سيكون منكم مرضى ، وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم } .
يقول العلماء : هذه الآية تسمى آية العبادة والعمل .
وكما هو معروف للجميع بأن ديننا الإسلامي هو دين العمل ، حتى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ( لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة أو غرسة فليغرسها )
الله أكبر ، قامت القيامة ، فمن المستفيد من هذه الغرسة ؟ لكنه دين العمل حتى الرمق الأخير . هذا يدعونا إلى أن نشجع الشباب على العمل ، وعدم البقاء عاطلا .
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ” يعجبني الرجل ، فإن قيل لي : لا عمل له سقط من عيني ”
عمر رضي الله عنه يحترم الرجل ويعجب به ، إلا إذا قيل له : لا عمل له فإنه يسقط من عينه ، ويفقد الإعجاب والمحبة من نفس عمر رضي الله عنه .
وقيل إن الله قسم الأعمال والأرزاق بين الناس لحكمة عنده سبحانه ، وكل شخص يحتاج للآخر وكل له احترامه وتقديره .
المذيع في الإذاعة ، يقدم للناس المعلومة والأخبار وغير ذلك ، لكنه إذا مرض ذهب للطبيب وإن رغب في أكل السمك ذهب لبائع السمك واشترى من عنده سمك ، وإذا عنده طفل بلغ السادسة من عمره ذهب به إلى المدرسة ، وإن طال شعره ذهب إلى الحلاق ، وإن تعطلت سيارته ذهب بها إلى المكنيكي ، وإن انقطع التيار الكهربائي في بيته بحث عن الكهربائي ليبحث عن الخلل ويصلحه ، وهكذا الطبيب والمعلم والمهندس وبائع الفاكهة والسمك والجزار فكل واحد يحتاج للآخر .
قيل إن رجلا اسمه ( صعصة بن صوحان ) أو صوخان ، وهو صحابي جليل رضي الله عنه ، وكان من حكماء العرب ومفكريهم ، دخل على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، فسأله معاوية قائلا : يا ابن صوحان صف لي الناس؟ فقال : يا أمير المؤمنين خلق الله الناس أطوارا ، طائفة للسيادة والولاية ، وطائفة للفقه والسنة ، وطائفة للبأس والنجدة ، ورجرجة بين أولئك . الرجرجة كل الأعمال غير تلك وهي الأكثر .
ويقول الشاعر :
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا نسب
الحمد لله رب العالمين الذي جعل الأعمار والأرزاق بيده ، ولم يجعلها بيد غيره ، يقول تعالى : { وفي السماء رزقكم وما توعدون () فورب السماء والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون } .
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ) .
لا بد أن يؤمن الشخص إيمانا كاملا أن عمره الذي قد كتبه الله له لن ينقص منه أحد أو يزيد فيه دقيقة ، وأن رزقه المكتوب له لن ينقص منه أحد أو يزيد فيه مثقال ذرة .
وعلى الإنسان أن يتسبب ، وأن يجد في طلب رزقه بدون مغالاة أو طرق غير مشروعة ، وعليه أن يحافظ على صحته وحياته أيضا وبدون مغالاة وحرص شديد .
يقول الله تعالى : { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } .
وقالت الحكماء : “مهنة في اليد خير وأمان من الفقر “.
أنتم أيها الحرفيون والحرفيات في مهرجانكم تحيون أعمالا وحرفا ربما الكثير قد نسيها ولكن في إحيائها رزق ومعيشة ومحافظة على القديم والتراث .. استمروا وعين الله ترعاكم .
وبرامج التوجيه والإرشاد التعليمي والمهني التي ينفذها المرشد الطلابي بالمدرسة تقوم بتعريف الطلاب بالدراسة المتاحة لهم بعد تخرجهم ، وبالوظائف التي من الممكن أن يلتحقوا بها .
ولهذا فإنه يجب علينا :
1ـ تعريف الطلاب بأهمية العمل ، ففي العمل عبادة وشفاء أيضا ، ومن أنواع العلاجات النفسية ما يسمى بـ ( العلاج بالعمل ) .
2ـ إفهام القطاع الخاص بأهمية منح الشباب السعودي فرصة للعمل ، ومساعدتهم على ذلك .
3ـ تعاضد وتكاتف وتعاون جميع الجهات المسؤولة الحكومة والأهلية من أجل الشباب والوطن.
4ـ التعاون مع المدارس من قبل جميع الجهات المذكورة في الفقرة ( 3) .
.. ولا يسعني في آخر ما أقول إلا أن أقدم لكم هذه القصيدة ( وهي حكم ) من ديوان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :
ومـا طلب المعيشـة بالتمني
ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجئك بملئها يوما ويـومــا
تجئك بحمأة وقليل مــاء
ولا تقعد على كل التمنــي
تحيل على المقدر والقضـاء
فإن مقـادر الرحمن تجــري
بأرزاق الرجال من السماء
مقدرة بقبض أو ببســـط
وعجز المـرء أسباب البلاء
لنعم اليوم يوم السبت حـقا
لصيد إن أردت بلا امتراء
وفي الأحـد البنـاء لأن فيه
تبّدى الله في خـلق السماء
وفي الاثنين إن سـافرت فيه
ستظفر بالنـجاح وبالثـراء
ومن يرد الحـجامة فالثلاثاء
ففي ساعاته سفك الدمـاء
وإن شـرب امرؤ يوما دواء
فنعم اليـوم يوم الأربعـاء
وفي يوم الخميس قضاء حاج
ففيه الله يـأذن بالدعــاء
وفي الجمعات تزويج وعرس
ولّذات الرجـال مع النساء
وهـذا العلم لا يعلـمه إلاّ
نبي أو وصي الأنـبيــاء