– ولماذا لم يأكلوا خرافة؟
ضحكت بهستيرية حتى سأل دمعي، وبعد أن هدأت ومسحته قلت لها بوجه يفيض إنشراحًا:
– خرافة.. من يجرؤ منهم على دق عظام خرافة بأنيابه الطويلة وهو ذو النفس الأبية الصلبة كالفولاذ.. هذا النوع المعدني لا يناسبهم كطعام.
– كيف يكون قوتهم العظام ونحن إذا نسينا أن نذكر اسم الله أكل معنا الشيطان لحما وشحما! ولرُبما أكمل اليوم وبات معنا.
– لا تنكرين عليهم ذلك، فهناك نوعًا منهم لا أكل له.
كلما تحدثت زاد تيهيها، واستفحل إندهاشها، مدت عنقها
أبعد مما هي عليه، قلت لها: ” هيا ننزل فهذا النوع هو الريح والريح لا يأكل”.
وتلت، قال الله تعالى:
– (فإني نسيتُ الحوت وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره).
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وأتخذ سبيله في البحر عجبًا).. إلى ماذا ترمي قناعة الحلوة؟
– لا شيء.. فقط أؤكد على النسيان.. هذا فتى موسى عليه السلام انساه الشيطان، فكيف بنا نحن؟
– جزيتِ خيرًا، الزمي ذكر الله وواظبي عليه حتى لا تنسين تفنيد ما تقصدين.
أعود للأسطورة ومن هنا جرى على ألسن الناس القول “حديث خرافة” للكلام المختلف العجيب. كما ورد في (لسان العرب) لإبن منظور أن الخرافة هي الحديث المستملح من الكذب. ولها في القواميس معانٍ أخرى. والمعنى الذي يجب عليكِ أن تحفظيه كاسمكِ إنه فن قصصي خُرافي ذو مغزى أخلاقي غالبًا ما يكون أشخاصه وحوشًا أو جمادات.
والسؤال هنا: هل هناك كلمات أو كلمة أخرى ذات دلالة تعود لاسم شخص ك(خرافة) في قواميسنا أو معاجمنا؟
وبنظرة حانية لثمت قناعة السواطع المضيئة ومشت بخطى كسلى، دنت مني وهمست في اذني: ” إن كتابكِ.. حلمكِ المستقبلي مشواره طويل” خامرتني هذه الجملة وأنا أربت على كتفها ” الصبر.. الصبر مفتاح الفرج”، تنبهت لقولها وانزويت فيه شاردة. ثم ما لبثت أن توارت داخل البيت تلملم اشيائها الشخصية العباءة والجوال.
قالت لي:
– هل تعتقدين أن أبو هريرة رضي الله عنه نسي أن يقول “بسم الله” على طعام بيت المال؟
– لا.. لا.. لا يذهب مخيخكِ بعيدًا وتبحر بكِ الأفكار كثيرًا إلى خوافي كثيرة؛ لأن أبو هريرة رضي الله عنه كان يمسك الشيطان ويأسره رغم تكرار محاولاته ثلاثًا، وعندئذ علم أبو هريرة رضي الله عنه أن يقرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه وقال له: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك الشيطان حتى تصبح.
أعطيكِ مثال من الحياة العامة وأعقدي مقارنة بسيطة عليه: ذهب مصلي إلى المسجد لأداء الفريضة وبعد أن انتهى بحث طويلًا عن حذاءه ولم يجده خارجًا، عندئذ تأكد إنه سرق من قبل شيطان إنسي.
هل هذا المصلي لم يذكر الله؟؟ طبعًا لا ومع هذا سرق.. اؤمن إيمان مسلم به أن النفع والضر بيد الله تعالى ودائمًا وابدا الحمد لله على ما جره القلم في كل حال.
في حين….
تزيد رغبتها ولذتها الجمة في السمر والمتابعة. نظرت إلى ساعة يدها ثم ساعة هاتفها النقال بتوتر وقلق..
في عد وحساب حدثت نفسها “أعتقد أن أم قناعة متذمرة وتشاركني الآن في إحصاء معدل ركض بندولات الساعة وتنتظرني حتى أحضر وتتكأ على زمنها وعليَّ”.
وفجأة أخرس لسانها اتصال أمها آمرة إياها بالنزول والعودة إلى البيت.
الروح/ صفية باسودان