مشت أمامي، انتظرت، عيني معلقة عليها إلى أن دفعت باب بيتهم الموارب وولجت إلى الداخل.
أسندت رأسي للمقعدة وأخرجت نفسًا عميقًا من شدة العجب، ثم هذيت: “هناك شر حتى الموت لا يطلبه!”
تحركت بمركبتي حتى ارتج تفكيري المهزوز دون أن يربي فما نزل عليه كان سأمًا ضارًا، ولم انجو منه أنا وتفكيري إلا حين ترجلت من السيارة بعد ركنها في موقفها الاعتيادي، فقد عارض نعيق الغراب حديث يتردد في خلدي: “هذا هو!؟ هذا الرجل الأشيب نضح بلواعجه الحرى، وحلل كل محرم؛ ليقضي الصبابة الباقية له من عمره باسمي الفحولة والحب”.
أقترب زاغ الجيف مني، وحام فوق رأسي وهو يحيني بنعيب كثير، حسيت أن هناك اختلافًا في درجات صوته كأنه يهرج بشيءٍ ما، لم أتمكن من معرفته وتحليله، كل الذي نطقت به: “صوتك جميل، استمر، سوف يكون لك في المستقبل شأن عظيم”، ألح عليَّ بصوته، طال وقوفي، هبط، حدقت فيما حوله من حشائش، نظر بين السماء والأرض ثم التقط من الأخيرة شيئًا بفرح، قلت له ضاحكة: “ليتك أكلت المنصدم هذا الجيف الذي تقيأه جحره”.
ذهبت إلى الدار، وولجت إلى داخل غرفة نومي وأنا أحمل عجبي من كم الخفايا التي بداخل ذلك الهيكل العظمي، علقت عباءتي على شماعة ملابسي الأنيقة، المصنوعة من الحديد القوي اللامع والتي صممت على شكل نغمة موسيقية مرسومة على صدر نوتة عذراء.
استلقيت على السرير، الهدوء ساد الغرفة، تأملتها على ضوء الجوال الضئيل وبغتة اشتد بي هاجس صباح هذه الإجازة كي يذكرني بمقولة متداولة: “لا تعلق اخطاءك أو فشلك أو مشاكلك على شماعة الآخرين أو لا تجعل الآخرين شماعة تعلق عليها اخطاءك”. قلت لنفسي: “حتى هذا الجماد لم يسلم! فلو سمع المشجب حديث بعض الناس عنه لضحك قليلًا وبكي كثيرًا والقى بما كان معلقًا عليهم إليهم. لأنني لا أعتقد أن أقمشتهم الممتصة عرقًا كخرق المسح النجسة القذرة تستحق تحملًا وصبرا.
لا تحزني عزيزتي الشماعة فكل من جعل نفسه أنتِ أو دافع عن نفسه بكِ فما هو إلا إحدى الصنفين أما إنه من الصنف الذي حفظ المقولة واستدل مستلذًا بها أو من الصنف الذي يبعد عن نفسه التهم، وما ينأ عن النفس يكون حقيقتها الأقرب!
الروح/ صفية باسودان