– أكتبي يا الروح يوجد ما يستحق، وأنه أمر طبيعي جدًا أن تتم مضايقتكِ، فهناك من يحتسي قهوته علقمًا حين يقرأ ما تكتبين.
– لا خيار لي غير أنني اكتب وانجح.
نهضت ونظرت إلى الباب وبعد أن تحركت عدة خطوات مسكت مقبضه، وقالت:
– لا تحاولي تفسير ما تدوين وأسترخي، دعي أحلامك تكبر وتتسع لربما عادت بواقع مغاير لِمَ نحو فيه.
راحت بعد أن أدهشني كلامها كثيرًا ولكنه لم يجعلني أفكر كثيرًا بل مضيت أسرد في عالمي الكتابي.
أرخى الليل سدوله وعم الهدوء، سادت فترة صمت طويلة في سقيفة الاجتماعات، ثم قال (الحكيم): سنستمع الآن إلى الحديث المتبقي الذي جرى بيني وبين أيوب – رفع الله عنه وألبسه ثوب العافية – لابد من أن أحكي حكايته، فقد ظلم كثيرًا وحان وقت إنصافه، ولكن أين المنصدم؟ صمت الجميع. لم يحضر. صمت. هل هو متأخر؟ صمت. لا نعلم. صمت. كيف أكمل قصة أيوب دون حضوره؟
بسرعة بادره (المتوهم) بالرد:
– أجلها للغد، لعله غارق في النوم.
– حسنًا.. سأجل قصها للغد الذي يكون متواجدًا فيه. والآن، فليذهب كل واحد إلى بيته.
في تمام الرابعة صباحًأ والدقيقة التاسعة عشر استيقظت (قناعة) من النوم على صوت المنبه ونهضت تستعد لإداء الصلاة وللدوام بحماس معتادة عليه. وبعد أن جهزت اتجهت صوب موقف الباص الواقع بجوار سوق الذهب، وعلى الشارع القصير المؤدي إلى الموقف خرج عليها (المنصدم) متباهيًا أمامها بإن صديقتها طيبة القلب وتجيد التعامل مع الآخرين، وقفت وقالت له: “فعلًا هي كذلك؛ لهذا لن تضايقني مرة أخرى بأسئلتك”، وأكملت طريقها تهذي حتى وصلت الموقف، ومكثت هناك تنتظر قدوم الباص.
ومع عودة (المنصدم) لداره فإذا بأم قناعة تقف في وجهه، قل تفاخره، وعلى الفور سألته: “يا أخ المنصدم هل رأيت ابنتك قناعة من أي اتجاه ذهبت؟ لقد نسيت نقودها!”. أشار إلى الاتجاه دون ان ينبس ببنت شفة على اشارته.
لم تزل أم قناعة مصدومة من تصرف (المنصدم)، حاولت أن تقنع نفسها أن ذلك مجرد وهم وتلاعب نفسي نتج من مخاوفها على ابنتها إلا أن القهر كان يأكلها وانتشر انتشار النار في الهشيم وودت لو قطعت (المنصدم) أربًا أربًا بأسنانها لكنها لا تقبل أن تزج بابنتها في موضوع مشكوك فيه.
وفي الزاوية الحادة المتفرعة من شارع موقف الباص صادفت (المتوهم) ذاهبًا لشراء وجبة الإفطار التقليدية في البلدة (فول وتميس ومطبق)، وخشية الفضيحة استوقفته قائلة: “أمنع صديقك المنصدم عن مطاردة ابنتي، وعلمه أن على الإنسان أن يحتفظ بأفضل ما لديه من أخلاق، وعلى الأخص إذا كان كبيرًا. إنها مثل ابنته، وإنه كان صديق المرحوم أباها، لقد كان أكثر الناس له ودًا وبشاشة، هذا شيء غير طبيعي، ما به هل فقد عقله أم مسه عفريت من الجن؟” هكذا قالت للمتوهم ” سأنتظر أن لم يتوقف عنها اليوم في الإياب سأشكوه للحكيم”.
الروح/ صفية باسودان