أفضل ما في الخطط الا تجد ما يعوق تنفيذها. اكتفت بالمسروقات التي سلبتها لتحرير العمال من التوقف الإجباري والذي أمسى عطل عملي لإنقطاع المال والذي طالما انزعج منه أصحاب البنيان الغير مكتملة البناء كأنها أشجار ميتة.
وصلت إلى موقعها بزنبيلها الممتلئ بالأموال وسرعان ما أصبحت حديث العمال باعتبارها المرأة الأكثر مصداقية في التعامل والدفع مؤكدة ذلك لهم بعبارتها المستدامة: “الصادق يعرف عند الوفاء بكلامه”. هذه المرأة أذهلتهم وأدخلت الفرح إلى قلوبهم، وباتت محط أنظارهم، وبيت أسرارهم، ومحل ثقتهم تلك المدة.
أزف موعد صلاة الجمعة، خرج (المنصدم) في كامل أناقته، أصبح حديث مجتمعه باعتباره الأكثر تهندم في البلدة. فيما وجهت زوجته أصابع الشك نحوه جراء نمط تصرفه المريب الذي لم تكن تعيشه معه. روت القصة لابنها وطلبت منه اللحاق به والتجسس عليه، ويستحسن ألا يبعد عنه ويلازمه.
أمام حجرة (قناعة) تمهلت أم قناعة عند بابها، وهي تستمرئ ذلك الاستنكار الغريب الذي لحق لحظة محاولتها لفتحه. استنكار ممزوج بالعجب من أن ذلك الباب موصد بالمفتاح من الخارج. قالت لنفسها: “أين ذهبت قناعة وتركت التكييف يعمل؟” وهذا وجه العجب.
لم يكن هذا الاستغراب وحده الذي جعلها تكرس تفكيرها، كلا، إن تذكر بعض قصص الحرائق الناتجة من المكيفات دب فيها شعور الخوف لو تركته يشتغل على حاله. ران الصمت بها برهة، ثم قررت أن تغلقه، أدارت المفتاح في قفله، دفعت الباب ودخلت وكان أصعب شيء في تلك اللحظة أن تجد ابنتها نائمة في سريرها، فمن أغلق الباب إذن!؟
سيطرت عليها للوهلة الأولى فكرة أن تستوضح منها لكنها بالطبع لم تمتلك الشجاعة الكافية لإيقاظها. السخط على من أغلق الباب حث أم قناعة على البحث والتقصي في البيت، تفحصت الباب الرئيس للبيت وجدته على حطت يدها مقفل، استقبلته بصيحات الاستهجان ورمت مفتاحه على الأرض. أعرضت عنه بعد أن أثار امتعاضها، واصلت السير إلى غرفة ابنتها ونفسيتها على هذا النحو: “من الذي أغلق الباب على ابنتي، هل كان شبحًا أم مجرمًا يرتدي طاقية الاخفاء؟” هكذا قالت لها! “حتى أن عرفت من هو، لا يمكن إجراء قضية ضد هذا المجرم المعتدي المتمرد إلا إذا قدم الدليل، فأين هو الدليل أو القرينة التي تدينه؟، عندئذ فقط سيكون من المستحيل صدور حكم إلا بالبراءة له وضدي بتلفيق التهم للأبرياء”.
لقد وصلت (أم قناعة) إلى تفكير مسدود، فلم يخطر على بالها أن يحدث حدث مثل هذا ولا يعرف مسبب له. سار الحديث النفسي مع أم قناعة على نحو سيء. ومع هذا توضأت ودلفت إلى غرفة ابنتها قناعة، اقتربت من سريرها، وعند حافته انكبت، ومدت يدها اليمنى وانزلتها بلطف على جبهة قناعة، وقالت: “بسم الله.. أعيذكِ بالله مما تخافين وتحاذرين”، ثم عانقتها وبليونة ايقظتها كي تقوم لإداء صلاة الجمعة، لكنها شعرت بثقلها
وخدرها كانت تموج كأنها تلقت خبطة على رأسها.
الروح/ صفية باسودان