في المطبخ كان (ابن المنصدم) يساعد أمه في ترتيب طاولة الطعام – ان جاز أن نسمي ذلك ترتيبًا – وهناك قصت أمه عليه ما حدث بينها وبين أبيه. أنصت لها مسرورًا، ثم قال لها: “هذا هو الحب الذي نبحث عنه وسيترجمه لنا أبي بالتعامل الفعلي المفرط”.
أجابته بإجابة متوارثة دارجة بين معشر النسوة:
– “ذيل الكلب عمره ما ينعدل”.
– ثقي في كلامه ودعيه يجرب أو على الأقل أعطيه فرصة للمحاولة.
– أنت لا تأخذ حديثي على محمل الجد.. وتتوقع مني ما لا يتوقع بعد ضياع الثقة.
– ……………..
– أشك أن والدك يحتفظ بالدليل القوي ذو القيمة في مجلسه، سأقوم بتفتيشه في حال غيابه بكل تروٍ وهوادة.
فقال وهو يبتسم: بالتأكيد لن تعثرين على ما دفعكِ شكك إليه.
أحمر وجهها من شدة الانفعال وقالت: أتظن ذلك حقا؟
وفي وقتها تنحنح (المنصدم) ودخل عليهما بعدما راقبهما وسمع الحوار الذي دار بينهما، وهذا جعله يشعر بعدم الارتياح قليلًا.
فتحت القدر واغترفت منه غرفات ملأت بها الطبق الرئيسي وجاءت به إليه، فنظر إلى ابنه، وقال له: “حبيب قلبي أذهب واستدعي أخوتك كي يشاركوننا الطعام”.
كان الغداء شهيًا عبارة عن الطبق الرئيسي كبسة اللحم وصحن المقبلات السلطة الخضراء كان كل شيء يبدو تقريبًا ذا مذاق واحد. حضر الجميع والتفوا على المائدة، التهم (المنصدم) الطعام الذي يليه كله، استخدم الخمير “خبز الميفى” والتهم به ايدام “المغش” بشراهة. كان (المنصدم) من هؤلاء الرجال الذين لا يتركون طعامًا تحت ايديهم، خاصة إذا كان حلو مذاقه.
اشتهرت أم قناعة بالتحديق الفاحص إلى المتحدث معها في دقائق صامتة، وهي جالسة بتركيز على قعادتها أذعنت منصتة إلى ابنتها قناعة بعد شرب القهوة معها في الجلسة المسائية، قالت لها: “في البداية كنت نائمة على سريري الصغير ولا أعرف ما السبب الذي جعلني استيقظ، وتفاجأت بسيدة شابة نحيلة تقف على مقربة مني، لا أعرفها، ولم تسمح لي بالتعرف عليها أو حتى سؤالها! المشكلة أنني لا أعرف كيف أصفها ربما لأنها سخطت وتحولت إلى شيءٍ دائري أسود اللون مثل البرميل الذي امتلأ ماء أو هواء لا أعلم، وفي ومضة زاد انتفاخها وعرضها ثم طالت طولًا عجيبًا. وقد خشيت أن ينهار السرير تحت وطأة ضخمتها المتحولة على الرغم من انني لم أحس بإن لها وزن لا ثقيلا ولا خفيفا بينما كانت تخنقني!
لقد استطاعت في النهاية أن تجعلني استسلم وأنام على ظهري في هواء حار جدًا. ستظل صورتها معلقة على جدار ذاكرتي الأمامي، فقد دققت لها مسمارًا في هذا الرأس إلى ان التقي بها واستخدمها كدليل على تسللها إلى غرفتي”.
كان ذلك أسوأ جزء من القصة بالنسبة لأم قناعة. ابتسمت لابنتها بوجه الأم البشوش، وقالت لها:
– خال لي في مستهل كلامكِ انها حرامية لم ترك شيئًا في غرفتك إلا سرقته، ولم تدع فرصة لمن مثلها إذا أت بعدها، والسارقة كما هو معروف للعامة انها تضر نفسها وغيرها، إلا أنني حصرت استطرادكِ وتبين لي إنه جاثوم.
– جاثوم؟!
– نعم جاثوم يأتي إلى النائم ويجثم عليه حتى يستيقظ جزئيًا فيضايقه ويزعجه، ويصبح مخنوقًا واعيًا لِمَ يحيط به لكنه غير قادر على التحرك كالمشلول والعياذ بالله.
الروح/ صفية باسودان