بقلم/ حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih
زرت صديقاً لي قبل أيام للسلام عليه، وصديقي هذا له شخصية جذّابة وكاريزما متفردة، وأسلوبه في الحديث ممتع، وكان ابني أسامة وهو مرافقي في تلك الزيارة يسألني بعدها عن صديقي هذا، وقد لاحظتُ إعجابه به حتى قال: ليتي أُصبح متحدّثاً بارعاً مثله، وكنتُ قد تفاعلتُ مع أمنيته تلك ببعض التوجيهات السريعة في ما يتعلق بثقة الإنسان في نفسه وقدرته على تحقيق أهدافه ..إلخ.
وقد استوقفتني أمنية أسامة كثيراً، وجعلتُ أقلّبها في رأسي طويلاً وأفكّر في محتواها ومضمونها، وأقول :
ماذا رأى كيّ يتمنّى؟!
ما الهدف الذي يسعى للوصول إليه؟!
هل ما تمنّاه هو الغاية القصوى في حياته؟!
هل هو عاجز عن فعل شيء لدرجة أنّ أقصى ما يستطيع بذله هو التمنّي فقط؟!
هذه الدرجة لا يمتلك من المقوّمات التي تساعده لتحقيق أمنيته؟!
هل سيبقى يتمنّى أن يكون مثل فلان وعلان؟!
ما هي الآثار السلبية المترتبة إن بَقِيَ يتمنّى قولاً دون تحقيق أمانيه فعلاً؟!
لماذا لا زالت نفسه تحدّثه بأنّ ما هو مطلوب منك هو التمنّي فقط؟!
هل يساوره شعور بأنّه غير قادر، أو لا يستطيع، أو أنّه غير كفؤ، أو أنّه غير مستعدّ لمقارعة الخطوب ومصادمة الظروف؟!
إلى غير تلك الأسئلة والاستفسارات التي صالت وجالت في عقلي بعد سماعي لأمنية ابني أسامة تلك.
ودعوني أعرض هنا حصيلة تلك الأفكار والنتائج التي خرجتُ بها، ولعلّها تكون نبراساً لتائه أو معْلماً لحائر أو حلاً لمسترشد أو غيرهم من أولئك الذين يتمنّون كثيراً ويحلمون طويلاً لكن دون مبادرة لعمل أو مسابقة لإنجاز أو منافسة على هدف.
علينا أنّ نعلم ابتداءً أنّ من حق كل أحد أن يحلم بما يحب ويرغب في الوصول إليه، ويتمنّى ما يرجوه من غاية أو هدف، لكن من غير المعقول أن تقف أمانينا وأحلامنا عند حديثنا عنها مع أنفسنا فقط، ومن غير المعقول أيضاً أن تكون حبيسة صدورنا دون أن نطلقها ونطوّح بها لتكون مشاريع فعلية على أرض الواقع ويكون أول من يفخر بها هو صاحبها.
إنّ على من يُجيد تصوير سيناريوهات الأماني والأحلام في عقله عليه أيضاً إجادة إخراجها على خشبة مسرح الواقع كي تكون مشاهدةً للجميع.
لقد ثَقُلَتْ رؤوس البعض ونفوسهم من أحمال الأماني والأحلام التي لم تتجاوز أجسادهم وكياناتهم، فبقوا رهائن وأسرى لها لأنّهم لم يكسروا القضبان التي حالت بينهم وبين أن يعملوا لتحقيق تلك الأماني والأحلام والأهداف، فكلّما تمنّى أحد منهم أمنيّةً قال: هذه صعبة التحقيق وبعيدة المنال، والآخر يقول: أنا لا أستطيع وغير قادر، وثالثٌ يتعذر بالانشغال ليعطي نفسه عذراً للقعود ويُوهم الآخرين بذلك، ورابعٌ يدّعي كذباً أنّ في حياته ما هو أهم، إلى آخر تلك النماذج التي جعلت لها أعذاراً واهيةً ومبررات هشّة للهروب من ميدان العمل و مضمار السباق.
إنّ من أعظم الأمراض الروحية والقلبية هزيمة الإنسان من داخله، وشعوره بالنقص دائماً، واحتقاره لذاته، واستهانته لقدراته وإمكاناته، وتعذيبه البطيء لنفسه بالرسائل الهدّامة القاتلة التي يطلقها عليها بين الفترة والأخرى، فلا يزالُ يقولُ لنفسه لا للعمل والنجاح والتميّز، فأنا لستُ من طالبيها، ولا أملك الشجاعة للدخول في ميادينها، ولستُ مثل فلان وفلان، أنا عاجزٌ فعلاً عن فعل أيّ شيء، أنا أعيش التوتر والقلق، ولا أجيد المواجهة والتحدِّي، وليس لدي النفس الطويل ولا الصبر الجميل لخوض غمار النزالات القوية والمطارحات العنيدة، وراحتي مقدمةٌ على كل شيء، ولأن أجلس متمنيّاً حالماً في زاوية غرفتي خيرٌ لي من تحقيق تلك الأماني والأحلام أو الوصول إليها.
وإنّ من قتل الإنسان لنفسه قتلاً بطيئاً أن يرى أقرانه قد بلغوا الآمال وحقّقوا الأحلام التي حلموا بها وتمنّوها يوماً ما، وهو لا يزال في منطقة الصفر، لم يخطُ خطوةً واحدة، وإذا سألتهُ عن ذلك قال: لا زال في العمر بقيّة، وسأنطلق للحاق بهم، وهو يجهل أو يتجاهل أنّ كثيراً من الوقت المتاح قد فاته، وأنّ ما كان بالإمكان فعله قبل سنوات سيمكن فعله الآن، وأنّى له ذلك وقد – سبق السيف العذل .
إنّ من أعظم حقوق النفس على صاحبها ألّا يُثْقِلْ عليها بالأحلام والأماني، بل عليه أن يطلق تلك الأحلام والأماني لتكون واقعاً ملموساً وكياناً مشاهداً، وعليه أيضاً أن يربِّي نفسه على الهمم العليا التي لا ترضى أن تكون حبيسةً خلف أضلاع صدره وإنّما تكون منطلِقةً نحو مراقي العلو ومحالّ السمو، وعليه كذلك أن لا يقتل نفسه قتلاً بطيئاً بالرسائل السلبية الموجعة والمؤلمة والقاتلة، بل عليه أن يجعلها نفساً جامحةً إلى كل عز، توّاقةً إلى كل خير، مشتاقةً إلى كل بذل وعطاء، وعليه كذلك أن يربِّي نفسه على أنّها المنطلق الحقيقي له، فإذا عوّدها على أن تكون نفساً زكيةً طاهرةً كانت سائقةً له إلى كل همّة عالية وقمّة سامية وعطاء محمود.
وسلامتكم