بقلم/ حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih
أكثر ما يؤلم الفؤاد ويتعب النفس حينما تسمع أو تشعر أن هناك من تحدّث عنك بسوء بهدف الشماتة والإيذاء، وأمرُّ من ذلك حينما يصدر ذلك كلّه ممّن تحسبهم الأصدقاء الأوفياء الأنقياء.
الأصدقاء ..
الذين بنيت معهم أبراج الصدق والنُبل والإخاء فأضحوا ينخرون من أسفلها بكل سوء وقبيح حتى تصدّعت وتهدمت.
الأصدقاء..
الذين عشت معهم سنين الشدّة والرخاء فما رأيت منهم إلّا القهر والجفاء.
الأصدقاء..
الذين حاولت أن تتّقي معهم شماتة الأعداء فعاملوك بشماتة الأصدقاء وهي أخطر من سابقتها وأنكأ جرحاً منها.
حينها يجتاحك شعور غريب في صدرك تمتزج فيه مفاجأة ما حصل من أولئك الأصدقاء، وتذكّرك بمواقفك البيضاء معهم والتي لا تستحق الجحود والنكران من قِبلهم، وتجعلك تراجع مقولة (احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة).
وحينها أيضاً تسأل نفسك لماذا هذا الإقصاء المتعمّد لي من أولئك الذين طالما حرصت على محبتهم واحترامهم وتقديرهم؟ ماذا فعلتُ أنا حتى يقابلونني بنشر عيوبي والنَّيل منِّي بالتهم السيئة والقذف المؤذي؟ لماذا هم حريصون على تلطيخ سمعتي وإهانة اسمي ورسمي في كل مجمع وموقع؟ أين ما كانوا يحدثوني عنه من قيم الأخوة والصداقة؟ … إلخ .
وحتّى لا أعرض المشكلة وأترك الحلول المناسبة لها فإنّي أضع لك أخي القاريء الكريم خمسة أمور من خلالها تستطيع معالجة هذه المشكلة المؤرقة والموجعة إن شاء الله، فتتعامل بها مع أصدقائك الأعداء أو مع أعداءك الأصدقاء.
أولاً .. يجب أن تعلم أن أصدقاءك بشر، منهم من يخطئ ويسيء، ويخون ويتمرد، وينكر الجميل وينقض العهد ويخلف الوعد، فوطّن نفسك على أن تقابل مثل هذه الأنماط السيئة، وأعدّ العدّة في التعامل معها بالشكل المناسب والتصرفات الحكيمة، ولا تُبالغ في عجبك واستغرابك مما تسمع وترى منهم فكل ذلك واردٌ حصوله من النفس البشرية بشكل عام.
ثانياً .. متى ما شعرت أو سمعت أن من أصدقائك من يسعى لإزعاجك أو يريد إيذءاك فكن شجاعاً في مواجهته بالأمر ومصارحته بما شعرت به أو سمعت عنه، وحاوره في الأمر مستفهماً منه ومستبيناً بالذي صدر منه، فقد يكون شعورك السلبي تجاهه في غير محله أو أنك لم تفهم ما وصلك من طريقه أو أنّ أحدهم يريد الإيقاع بكما، عندها تكون قد عرفت وعاد كل منكم إلى سابق عهده مع صاحبه، وإن تأكدت أن صديقك قد تغيّر عليك سلباً فلو لم يكن لك من هذا التصرف إلّا أنّك اجتهدت في إبقاء حبال الود والصفاء ممتدّة بينك وبينه ولم تستطع، حينها لا يُلام المرءُ بعد اجتهاد.
ثالثاً .. أتقن مهارة التغافل قدر الإمكان، وإن جاروا أو ظلموا، فليس كل فعل يستحق التأمل وليست كل كلمة تستحق الرد، وكلما تغافلت كبرت في أنظار العقلاء، والعاقل خصيم نفسه، وكن كعود الطيب كلما زاد احتراقه زاد طيبه وزكَت رائحته، وتذكر قول أسامة بن منقذ:
إذا أدْمَتْ قوارصُكم فؤادي
وجئتُ إليكمُ طلْقَ المُحيّا
صبرتُ على أذاكمْ وانطويتُ
كأنِّي ما سمعتُ ولا رأيتُ
رابعاً .. ( وهو خاص بالقدوات وأصحاب الدعوات في مجتمعاتهم ) إنّ ما تجدونه من إيذاء وسخرية وشماتة من أقاربكم وأصدقائكم يدل على عِظم دوركم بينهم وجميل صنيعكم فيهم وسمو رسالتكم إليهم، فلا يوقفنّكم إيذائهم ولا تستفزنّكم سخريتهم ولا تزعجنّكم شماتتهم، واستمروا في نهجكم الذي هو نهج القدوات وأصحاب الدعوات من قبلكم.
خامساً .. لقد وجدتُ أنّ من أفضل طرق التعامل مع أولئك الأصدقاء الشامتين رد إساءتهم بالإحسان إليهم ومقابلة شماتتهم بالصبر عليهم، وإن كان هذا الأمر شاقا على النفس الحُرّة إلا أن المجاهدة فيه مطلب، وفيه إسكات لهم وتقية من شرورهم واعتداءاتهم.
وسلامتكم ..
من كتابي #وحي_الأمكنة