بقلم / حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih
قبل سنوات دُعيت لحضور برنامج تدريبي في مهارة التركيز وأهميّته في حياة الشخص، وفي التشتّت الذهني بصفته آفة خطيرة، وكنتُ أسأل نفسي وأنا أستعدّ لحضور ذلك البرنامج، يا تُرى.. ماذا سيقول المدرب في هذا البرنامج التدريبي وهو يتحدث عن هذا الموضوع؟! ظنّاً منِّي أنّ مثل هذه المواضيع ليست من الأهميّة بمكان في حياة الشخص بشكل مباشر، ولا يستفيد منها الاستفادة الكاملة التي يرجو منها إصلاح أمر من أمور حياته الخاصة أو العامة، وظنّاً منّي كذلك أنّ كثيراً من هذه البرامج ذات الأسماء الملفتة والعناوين البرّاقة إنما هي من باب (بيع الكلام) لا أقل ولا أكثر، وأن الهدف منها تحصيل مبالغ ماليّة من المتدربين وحسب، إلّا أنني بعد حضوري للبرنامج ومشاركتي فيه طيلة أيّامه، من خلال ما سمعت من المدرب وما رأيت من تفاعل المتدربين وما قرأت في الحقيبة التدريبية الخاصة بالبرنامج من معلومات وبيانات وإحصاءات وقصص تتعلق بموضوع التركيز كمهارة مهمّة يجب على كل شخص التدرّب عليها، وتتعلق كذلك بموضوع تشتّت الذهن وخطره على حياة الإنسان بشكل عام، تغيّر تصوّري تماماً عن هذا الموضوع واكتشفت أنني كنت مخطئاً حينما لم أُولِهِ الأهميّة التي يستحقها، واكتشفت كذلك أننِي كنت ضحيّة من ضحايا آفة التشتّت الذهني وعدم التركيز في كثير من أموري الحياتية، بل صرت أتأوّه ألماً بسبب تلك الأعمال التي أُجّلت، والمشاريع التي أُلغيت، والمهام التي تُركت بسبب عدم تركيزي فيها، بل جعلتها من الهوامش في حياتي – للأسف الشديد – ولم أعطها إلا ما فَضُلَ من وقتي وعشت معها بذهن مشتّت وقلب منصرف هنا وهناك، وقررت حينها أن أقوم – قدر استطاعتي – بعملية تغيير جذري في حياتي بأن أسعى إلى تنمية مهارة التركيز بشكل أقوى وأعمق وأن أحارب آفة التشتّت الذهني وأن لا أكون أسيراً تحت سطوته أو خلف قضبانه بأي حال من الأحوال.
وكنت أتأمل في حال غيري من الذين ابتلوا بتشتّت الذهن وعدم التركيز، فأجد من يبدأ في مشروعه التجاري ويسير في خطواته الأولى حتى يقابله مشروع آخر وجد فيه شيئاً مختلفاً عن الأول، فيبدأ فيه ويترك الأول وهكذا من مشروع إلى آخر والنتيجة أنّه لم يكمل أيّ مشروع منها بسبب تخبطّه وعدم تركيزه.
وآخر يبدأ في قراءة كتاب أعدّ له برنامجاً قويّاً للقراءة وما إن يصل إلى ثُمُنه أو ربعه حتى يلتفت ببصره هنا أو هناك فيسرق نظره كتاباً آخر، فيلتقطه ليبدأ فيه القراءة تاركاً الكتاب الأول وكأنه لم يبدأ فيه ولم يضع له برنامجاً قويّاً في قراءته، وهكذا أيضاً من كتاب إلى كتاب والنتيجة لا فائدة من القراءة مطلقاً إذْ لا تركيز ولا اهتمام.
ومنهم من لا يرتّب مواعيده ولا يهتم بأوقاته ولا ينظم حياته، فتجده يمارس العشوائية واللامبالاة مع ذاته ومع الآخرين، ويتخلّف عن واجباته ومواعيده بسبب وبدون سبب، وكم فاته من فرص نجاح وتفوق لمّا كان مزاجيّ الطبع متقلّب المشاعر، وسبب ذلك كلّه عدم تركيزه في أمور حياته وتشتّت ذهنه بصورة مستمرة, والأمثلة في هذا الجانب كثيرة.
إنّ من أسباب تشتّت الذهن وعدم التركيز لدى كثير من الناس انعدام الشعور بأهميّة الحياة والاستغراق في الملهيات والمشغلات، والحرص على الخوض في كل جدال والمشاركة في كل ميدان، وعدم احترام المواعيد والثقة المفرطة في القدرة على إنجاز كل شيء، ولو استشعرنا هذه الأسباب جيّداً لعالجنا كثيراً من مشاكلنا ولحقّقنا كثيراً من مشاريعنا وإنجازاتنا.
ما أريد أن أصل إليه هو أن أبيّن للجميع أن مهارة التركيز من أهم عوامل النجاح في الحياة، وأنّ الشخص منّا كلّما زادت مساحة التركيز في شؤونه وأعماله ومهامه كلّما كان مستوى الإتقان أكبر وأوسع، وظهرت الفوائد والثمرات حسب ما يُؤمل له ويطمح إليه، لذا فإنّ علينا معالجة أسباب حصول تشتّت الذهن وعدم التركيز لدينا، وأن نراعي العوامل المساعدة في تنمية هذه المهارة المهمّة لدينا ونقوم بتعزيزها بصفة مستمرة، حتى نصل إلى ما نرجوه ونؤمّله من التفوّق والنجاح، ونودّع على غير رجعة حياة التخبّط والفوضوية والشتات.
من كتابي #وحي_الأمكنة