كنانة ربيع دحلان
نتفق بداية أن الإعلام هو إحدى أدوات الدبلوماسية الناعمة، التي تلعب دوراً بارزاً في تحسين صورة الدول خارجياً وتبرز منجزاتها داخلياً، كما تلعب دوراً فعالاً في توطيد علاقة المنظمات بالجمهور..
وفي ظل المكانة الدبلوماسية التي تحتلها بلادنا إقليمياً وعالمياً، فإننا ما زلنا نتساءل:
هل حقق إعلامنا الأهداف المرجوة منه في نقل الصورة الحقيقية عنا، وهل تتناسب مخرجاته الممتدة طيلة العقود الماضية مع واقع بلادنا وطموحاتها في ظل الرؤية التنموية 2030؟
هل إعلامنا مؤثر فعلاً في الرأي العام المحلي والخارجي؟ أم هو بحاجة لإعادة صياغة استراتيجياته بشكل احترافي يخدم قضايا الوطن، في ظل الاتجاه الملحوظ للمتلقين لإعلام الإنترنت.
وحتى نكون واقعيين، لا بد أن نقر بدايةً بأن التحولات الإيجابية التي لامست وسائل الإعلام السعودية أضحت ملموسة في ظل الحراك التنموي الذي فتح فصلاً جديداً متناغماً مع أنساق الوعي المجتمعي، تم من خلاله صناعة الفرق ما بين الماضي والحاضر.
ولكننا حين نطرح هذا السؤال، فإننا نعلم حجم التحول العالمي في الأدوات الاعلامية التي تحتاج منا الى المزيد من الجهود المواكبة لها بما يتسق مع مكانة بلادنا العالمية.
من هنا فإننا سنتوقف عند بعض المحطات التي نرى -من وجهة نظرنا- بأن الحديث يمكن أن يمتد على صفحاتها وصولاً الى تحقيق المأمول لإعلامنا في ظل سياسته المتزنة.
ولعل أولى المحطات التي يجدر التوقف عندها: هي حاجة إعلامنا الى صناعة الحدث، وعدم الاكتفاء بالتعليق عليه، خاصة وأن عمر الحضور الإعلامي السعودي قد قارب القرن من الزمان منذ تأسيس جريدة أم القرى عام 1924م، مما يعني أن حضورنا الإعلامي بحاجة لبناء استراتيجية يتم مراجعتها دورياً مع تكثيف الرسائل الاعلامية المستهدفة وقياس أثرها على الجمهور محلياً وخارجياً مع مراعاة الفرق في المضامين المطلوبة لكلا الجمهورين.
إن الإعلام ليس مجرد أداة معرفية تنقل الخبر بل هو أداة فعالة لتشكيل أنماط السلوك في ظل تحديات تكنولوجيا الاتصال والمعرفة الرقمية والإعلام الرقمي التفاعلي، وتحوُّل العالم الى قرية كونية، مما جعل الجمهور المحلي ينبهر بوسائل الإعلام المنافسة لما تمتلكه من مهنية عالية ومرجعية تقنية توفر المعلومة السريعة لمريديها، مما ساهم في إيصال رسالتها بل وصناعة الدهشة لدى القارئ والمستمع.
إن تحرُّك الآلة الإعلامية الخارجية السريع في سباق نقل المعلومات الحميم يجعلنا نؤكد أننا بحاجة للمزيد من جهود المواكبة مع تطوير رؤيتنا بمهنية إعلامية ممنهجة تستطيع أن تواجه هذا السيل المتدفق من مخرجات الإعلام الخارجي الذي يشوه بعضه صفحات المنجزات السعودية المتناغمة مع إيقاع مشروع بلادنا النهضوي.
وهو الأمر الذي يستلزم التطوير المستمر لسياساتنا الإعلامية على أيدي متخصصين وخبراء (تكنوقراط) يستهدفون استثمار المهارات والقنوات الوطنية وأدوات العلاقات العامة والبرامج الثقافية والفعاليات، ويساهمون في بناء منابر إعلامية معاصرة تلامس في مكوناتها وأهدافها حركة المشروع الإعلامي في قطار التنمية.
وهذا ينادي بضرورة تكثيف المشروع التدريبي للكوادر الإعلامية وتأهيلها لخوض غمار الساحات الاعلامية المعاصرة بكل أنماطها وفنونها، من خلال الاستثمار في تدريبها وصقل قدراتها وتزويدها بالمعارف والاتجاهات والمهارات التي تعزز تنافسية الأداء لديها وتحفز قدراتها على التجدد، مع التركيز على ابتعاث الإعلاميين لاكتساب المهارات بكل اللغات العالمية، بما يؤسس لمشروع إعلامي معاصر يستمد قوته من وحي الخبرة والممارسة.
إن صناعة الإعلام بحاجة للتجدد المستمر الذي يتطلب امتلاك الأدوات الإعلامية الفاعلة والبُنى الإعلامية التنظيمية والأذرع التنفيذية من خلال الكوادر المؤهلة المتخصصة في العمل الإعلامي.
ولعلنا لاحظنا الفرق لدى كوادرنا الإعلامية من العاملين في الصحف أو في القنوات الفضائية خلال إجراء الحوارات أو إعداد وتقديم البرامج، ممن تتفاوت قدراتهم وثقافاتهم وشغفهم وفقاً لمؤهلاتهم وخبراتهم وخلفياتهم الثقافية، مما يؤثر على معادلة المخرجات الإعلامية بين إعلامي وآخر، وهو الأمر الذي يكاد يتلاشي من مشهد الإعلام الخارجي.
إن الإعلام رسالة سامية ترتقي بارتقاء الأداء واحترافيته الممتزجة بالإبداع والعناية بالكيف لا بالكم، وانتقاء البرامج الهادفة التي تنأى بالرسالة الاعلامية عن السفاسف واللغط الحِواري والتردِّي الفكري، بل تساهم في تحقيق الفلسفة الإعلامية الرشيدة من خلال تزويد الجماهير بالحقائق المجردة بهدف بناء عقولهم وإثراء ثقافتهم وتعميق وعيهم.
وما زلت أجزم أن خصخصة الإعلام هو أحد الحلول التي ما زالت قائمة وفق ضوابط تتيح الدخول في الاستثمارات الإعلامية في مختلف ميادينها، مما يعزز التنافسية بينها ويرتقي بالمنتج الإعلامي الذي يلبي حاجات الجمهور ويُبرِز الصورة الحقيقية الناصعة لمشروعنا التنموي خارجياً، وهو الأمر الذي يخفف العبء عن كاهل الجهاز الإعلامي الرسمي بما يزيد في فرصِهِ لتحسين الأداء والتعامل مع التحديات باحترافية عالية.
ولعلي أستحضر هنا مقولة العالم الألماني أتوجروت عن الإعلام بأنه “تعبير موضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت”.
فهل نرى إعلامنا وقد حقق هذه الأهداف؟،، هذا ما نرجوه.