لاشيء كان يستدعي تأملي الليلة البارحة مع الرياح الباردة التي اعتدنا هبوبها في هذه الليالي من ديسمبر على شاطيء الخليج اليعربي غير رحيل الشيخ أحمد الحواشي الذي عاش في كنف المحراب يتلذذ بالصلاة، يطيل ركوعها وسجودها وقيامها، ويتلوا كتاب الله كأجمل غريد، رحل الشيخ وترك نموذجًا من التعلق بالصلاة والعناية بها، وكأنه يقدم لكل من حوله نموذجًا فريدًا للصلاة الخاشعة، نموذجًا تميز بالديمومة والاستقامة والثبات رغم المناوءات والمعارضات
ما بين ناقد يرى أن السنة خلاف فعله أصابوا أو أخطأوا، وصاحب هوى تقلقه صفوف المصلين الخاشعة، ويشعر بالضيق والأسى إذا رأى الجموع المؤمنة تنتظم وتتسابق على الصفوف بوجوه متوضئة طالبة لغنيمة ” أرحنا بها يا بلال ” وبشارة المشائين إلى الصلوات في الظلمات !
رحل الشيخ الحواشي وقد سطر لنا درسًا عمليا في الاستقامة على الصلاة وتحري أعظم آثارها التي لا تأتي سوى بتحقيق الخشوع في كل أركانها وواجباتها وشروطها، وقد مررت مرات عديدة للنزهة أو العمل في خميس مشيط وذهبت عنوة لمسجده لأصلي خلف هذا الرجل من غير تخطيط مسبق، فقد شدني الفضول لهذا الرجل الذي ” يصلي ” صلاة ليس كصلاتنا المستعجِلة، ووقفت معه مرة في صلاة الظهر فقرأت بسورة عديدة من بداية جزء عم مرتلا وكأني في لحظة جديدة من لحظات الصلاة الخاشعة والسكون يعم المكان حتى أنه يملأ صدرك راحة ورضًا، وصليت معه ليلة صلاة العشاء فكأنني أخذت جرعة من السماء طوال ترنمه بالآيات ووقوفه عند كل آية، وفي ركوعه الطويل ناجيت بالتسبيح المعظم رب العزة والجلال مكررًا ذلك حتى رويت النفس، وأما السجود فطوله يصنع منه مزيجًا مبهرًا من التسبيح لله الأعلى والتقديس لمالك الملك ودعوات طرحتُ فيها كل ما يختلج في نفسي
وتتوق إليه روحي، إنه يعلمنا أن نحضر في الصلاة في كل جزء منها بإلحاح مستمر يتضمن نسيان ما ينتظر خارجها من متع الدنيا ولذائذها حتى لكأنك في قطعة من الجنة.
رحل الشيخ وقد ترك آثارًا لا تُنسى في محبة الصلاة الخاشعة، أثرًا يستدعي أن نقف وننظر لحال صلاتنا كم نخرج منها بقلب حاضر، وخشوع يحقق الغرض الرئيس من الصلاة !!
ورغم كل الجدل الذي عاش حوله الشيخ والمآخذ التي تسابق عليها النقاد، ورحيله عن جامعه ممتثلًا لأمر ولي الأمر بعد عزله عن الإمامة والخطابة في المسجد، فقد قدم الشيخ نموذجًا في العناية بالصلاة وقد ألف كتيبًا في ذلك سماه ” الصلاة الخاشعة ” يمكن للباحثين الإطلاع على رأي الشيخ فيه واستناده على الأدلة الشرعية والسنة النبوية، سواءًا اتفقنا معه أو اختلفنا.
ما مات من زرع
الفضائلَ في الورى
بل عاش عمراً
ثانياً تحت الثرى
فالذِّكْــرُ يُحْيي
ميِّتاً ولرُبَّــما
مات الذي ما زال
يسمع أو يرى !
اللهم إنه في جوارك، وقد كان جاراً لمسجدك وبيتك الحرام ، فأكرم وفادته، ونور قبره، وبارك في ذريته، وارزقنا الصلاة الخاشعة التي عاش يذكر بها ومات وهو يدعو لها بقوله وفعله، متمسكًا بالمحراب لم يغير ولم يبدل ولا نزكي على الله أحدًا من خلقه.
كتبه
أبو الأيهم علي احمد دغري
١٧ جمادى الأولى ١٤٤٤هـ