غُذّيتُ بالحرفِ مثلَ الماءِ والزّادِ
في منبرٍ طينُهُ من قلبِ أجدادي
فاحتْ إلى الرّوحِ من أنفاسِهِمْ لُغَتي
فاستيقظَتْ في لساني ومضَةُ الضّادِ
أسرجتُهُ فاغتدى عبر المدى وسرى
يستنبِطُ الّلفظَ من ترنيمةِ الحادي
حتى استدارت إلى عينيّ فاتنتي
واستقبلتني بثَغْرٍ باسمٍ نادي
أوحت إلى الجوفِ تتلو آيَ فاتحةٍ
والتمَّ ناموسُها في القلبِ كالهادي
في الرّوحِ والفكرِ تهديني لمَعرِفةٍ
ألْقتْ بأنفَسِ مافيها لإرشادي
عرفتُ من سِرِّها ماالغيرُ يجهلُهُ
وماتجلّى لأعلامٍ وروّادِ
أتيتُ محتفلا بالمنطقِ العربي
بهِ استحقّتْ لأن تحظى بأعيادِ
أتيتُ للشعرِ في ديوانِ بهجتِها
بُشرايَ بالصّحْبِ واللُّقيا وبالنادي
طلاوةٌ في معانيها إذا سُمِعَتْ
كنبرةِ النّاي والمزمارِ في الوادي
جوازها أخضر في كل معترك
تفرّعت من جذورٍ عبر آمادِ
بنفحةٍ من كلامِ اللهِ قد جُبِلتْ
قدسيّةٌ من لدن عرشٍ لُعُبّادِ
أوحى بها في صفيّ اللهِ معجزةً
تسمو بعُربٍ لآفاقٍ وأَبْعادِ
من عابِقِ الشّيحِ من صدرِ الأُلى عبروا
من هامةِ النّخلِ في سهلٍ وأنجادِ
كم أوقدت في فجاجِ الأرضِ من وهجٍ
كم شيّدتْ صرحَ أعلامٍ وأمجادِ
عظيمةٌ لغتي عزّتْ بمنهجِها
بكلِّ فنٍّ لها تاريخُ ميلادِ
في مُرتقى من عُكاظٍ قام منبرهُمْ
إذ بان في سوقِهِم صرحٌ لروادِ
في فِكرهِم رؤيةٌ باللّفظِ قد كمُلتْ
ساقوا لها كُلَّ أنفاسٍ وأكبادِ
سادوا بها عن جميعِ الأرضِ قاطبةً
عزّت فصاحتُها خُصّتْ لأسيادِ
كم فاخرَ العُربُ بالإعجاز ِ وابتهجوا
مُذْ أدركوا حِفظَها في خيرِ إسْنادِ
مافارقوها ولاشذّوا ولا اغتربوا
عن منهلٍ من رواءِ اللهِ للصّادي
مامثلُها لغةٌ سادت بمُعْجَمِها
يستنبطُ الكونُ مافيها لِقُصّادِ
قُرآنُ ربي بها يُتلى بلا تعبٍ
إلى دليلٍ وإيضاحٍ وإمدادِ
صوتٌ تجلى بآياتٍ إذا سُمِعت
أنغامها ضوّعت أنفاسَ سَجّادِ
شمسُ البيانِ بها الظلماءُ قد غسقت
كم من معانٍ نفيسات وأضدادِ
كم من لسانٍ لخلقِ الله في أمم
منها اصطفى العُرْبَ عن لحنٍ بإفرادِ
عبدالصمد المطهري