في بدايات حياتي القيادية الكشفية سجلت في إحدى مذكراتي كلمات نصحنا بها أحد اساتذتنا من جمهورية مصر العربية الشقيقة القائد الراحل عزيز عثمان بكير أحد المؤسسين لفكرة الهيئة الكشفية العربية أثناء إحدى الدراسات في القاهرة من أنه “لكي تكون قائداً ناجحاً عليك أن تضع لك خارطة طريق، وأن تثابر وتكتسب الخبرة وتسمع النصائح من كبار القادة وتكون مثل “الاسفنجة” تمتص ما حولها من حكمة أصحاب تلك الخبرات من القيادات الكشفية التي أثبتت نجاحها في ميادين الخلاء قبل المكاتب”، ومع مرور الأيام كنت استحضر تلك الكلمات عندما أقابل أية قائد كشفي من المملكة أو من خارجها لعلي أجد ذلك القائد الذي يمكن أن أجد فيه ذلك النموذج لأرسم خارطة طريق لحياتي القيادية الكشفية، والحق يقال انني من المحظوظين فقد كان أغلب الذين تدربت على إياديهم من أكفاء القيادات الكشفية الوطنية والعربية ، لكن قائداً من المنطقة الغربية وتحديداً من تعليم جدة هو من وجدت فيه ضالتي التي دعانا لها استاذنا عزيز بكير، وهو القائد الكشفي محمد صالح باجنيد الذي جمعني به أول لقاء في إحدى الدراسات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي وجدته شخصية هادئة طموحة وهبه الله سبحانه وتعالى خصائص وسمات فطرية تجلت في طريقته بالتفكير والتخطيط وصولاً إلى الإبداع، ومع مرور الأعوام بدأت القاه في كثير من المناسبات مرة تلميذاً تحت يديه ومرة زميلاً أتعلم منه ، فكان أن اكتشفت المزيد من تلك الصفات التي يمكن أن تكون عوناً لشخصي في رسم خارطة الطريق التي أريد ومنها قدرته على التواصل مع الاخرين وتحفيز المرؤوسين ودفعهم للعمل ، والقدرة على مواجهة الأزمات وحل المشكلات واتخاذ القرارات والنظر إلى عملنا الكشفي خاصة في موسم الحج إلى انه رسالة وليس مهنة. كما كان يلفت نظري بأنه مبتهج يشع بالطاقة الإيجابية، باسم الثغر وطلق المحيا، هادئ ومتفائل وإيجابي، ودمث الخلق، يثق في الآخرين ، مرن ومثابر وحليم ، يعشق العمل بروح الفريق الواحد، ويرى أن الاختلافات والفروقات بين القيادات الكشفية تحت يديه أمر طبيعي ، وأنها مصدر قوة لا مصدر ضعف، وجدت فيه قدوة حسنة لمرؤوسيه في الانضباط والنظام في العمل.
وأنا أختم تلك المقالة لابد أن اذكر شيئاً بسيطاً من تاريخ تلك الشخصية التي يُسجل لها ولرفقاء دربه صالح حلواني – رحمه الله -، والدكتور موفق حريري، ويوسف جودة أنهم من أحدثوا التطوير لعمليتي المسح والإرشاد بالمشاعر المقدسة في فترة زمنية خلت، كما كان صاحب السبق في إعداد وإصدار نشرة كشفية رسمية دورية باسم جمعية الكشافة أسماها ” الكشاف السعودي”، وكان أحد القيادات التي مثلت الكشافة السعودية في المعسكر السعودي اليوناني الأمريكي الناجح الذي أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1984م، وأحد أعضاء لجنة توثيق تاريخ الحركة الكشفية السعودية الذي شكلته جمعية الكشافة عام 2006 والتي عُنيت برصد الجهود الكبيرة والمميزة التي بذلها الرجال المخلصون الاوائل في العمل الكشفي بالمملكة وما حققوه من انجازات وتعريف المجتمع بالدور المميز للكشافة واثرها على الفرد والمجتمع، وجمع وصياغة تاريخ الحركة الكشفية السعودية منذ نشأتها كفكرة واستعراض اهم احداثها وشخصياتها ومؤسساتها ولوائحها والظروف التي احاطت بها، وكان أحد القيادات الكشفية التي تم تكريمها في الحفل الذي رعاه صاحب السمو الملكي الامير سطام بن عبدالعزيز نائب امير منطقة الرياض آنذاك – رحمه الله – عام 1999م تكريما لقدامى الكشافين في المملكة واعلان تأسيس رابطة قدامى الكشافين في المملكة العربية السعودية وذلك تقديراً لأدوارهم الريادية لخدمة الحركة الكشفية في بلادنا العزيزة.
كما منحته جمعية الكشافة وسام القيادة الكشفي الذهبي، في الحفل التكريمي الكشفي الثاني الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير الرياض – آنذاك – عام 2006م، والحق يجب أن يقال ونحن في تلك المرحلة من عمر جمعية الكشافة الذي يعود الى عام 1961 وهي تعيش يوبيلها الماسي أن مثل تلك القيادات وتلك الهامات يجب ان يستفاد منها في تأهيل جيل اليوم، فجيل تلك الحقبة من القيادات الكشفية يكفي أن تختصر الكلام وتقول “غير”!!
مبارك بن عوض الدوسري