الروح/ صفية باسودان – جازان
أجابه (خال قناعة) الذي أحسن استقباله وضيافته حسب ما تعارف عليه من معرف معترفًا به: انتظرني لحظات.. سأذهب لأشارو البنت.. خذ راحتك فالبيت بيتك.
انتشى قلبه بالسرور والظفر، فقد ظن ظن الجاهلية غير الجاهلية الأولى وإنه ضمن الموافقة من حوار أمس الدراسة عندما أرادت (أم قناعة) أن تصلب طوله وتوقف عربدته وترنحه، وثق ما دار بينهما كعقد مبرم شفهيًا بعهد متين “أنا عند كلمتي” وخبأه في ملف جيب شفاف سماه مع من اسموه قديمًا “كلمة شرف” أودعه في خانات دماغه إلى أن تم له اليوم فرزه من بين المعلومات المخزنة.
لم يبث قلب (أم قناعة) ليلة الخميس وهو يضمر ل(المنصدم) طيلة فترة تجاوزه على ابنتها إحساس المقت له والتحدي لقلبه المرهف المشرب بالمراهقة المعتقة والشباب المفعل بكبسولات الذابل. حقًا لم تتحداه (أم قناعة) بلسانها ولكنها خالفت هوى نفسه ومنعت إرادته بالفعل من التفكير فيها أو التخاطر معها.
ارسلت (أم قناعة) في طلب زوجة (المنصدم) تدعوها إلى المجيء دون ذكر السبب، وبعد دقات قلبها المتسارعة ورجليها المتثاقلة غمغمت بالدعاء وخرجت زوجته وروحها التواقة إلى معرفة سبب الدعوة. كانت (أم قناعة) مترقبة مدة الانتظار تنقضي حتى تدخل عليها التي كانت الثقافة الدينية لا تمكنها يومًا من فعل فعل الخروج لأي عذر من أي نوع دون الاستئذان منه.
تقدم (خال قناعة) من المجلس في خطى طويلة متباعدة، افترش الأرض بسفرة طعام ورقية بنية اللون بعد أن قطعها من لفتها الاسطوانية ومن ثم انحنى بالطبق الرئيسي الدائري للعزيمة “المندي” ووزع حوله زجاجات الماء وعلب البيبسي والمخلل والحلا والشطة. جلسا على المائدة ومع ابتسامة وكلمتين تستحق أن تكون قصيدة مديح من (خال قناعة) وقر بها الرجولة الخارجية في نفس (المنصدم) حتى تباهى بها، فكان كالغواني التي غرنهن الثناء، وهنا سأله في نبرة جادة:
– هل زوجتك راضية عن هذا الزواج؟
كانت تنصت إلى صوت زوجها وهو يرد بشغف وصوت خشن في لهجة حازمة:
– أنا رجل حر نفسي لا أقبل أن انصاع لامرأة، وهذا حقي وحقك الشرعي.. مثنى وثلاث ورباع.
عند ذلك تراءت له زوجته عند الباب مكلومة، حدجته زوجته ببصرها المشجوب كأنما تتساءل “لماذا ما الذي جاءك مني.. ماذا فعلت؟!”، تلفف بثوب مموج من الخجل والارتباك، سألته زوجته بصوت متهدجًا متكسرًا:
– هل خطبت أم قناعة؟
هز رأسه في حيرة ولم يسعى إلى تهدئتها أو استرضائها.
أعادت عليه السؤال بنبرة متأثرة طالبة منه الرد حالًا:
– هل خطبت أم قناعة؟
ولكي يطلع نفسه من المأزق الذي حشر ها فيه تواضع وتنازل عن فحولته وحقه الشرعي، ورد عليها:
– لا. لقد خطبت قناعة.
– قناعة!
– نعم قناعة.. لقد خطبتها لولدنا.
– كيف وقد سمعتك تخطب لنفسك؟
– قلت لكِ لولدنا.. ألا تسمعين؟
– سمعتك. وبالأحرى سمعت حقك الشرعي مثنى وثلاث ورباع.
وبصوت أملس لامس به شغاف قلبها:
– مجرد مزاح ومداعبات تحدث دومًا بين الرجال.
وقبل أن تنضم (أم قناعة) إليهما تنهدت في ارتياح وغمغمت “أخيرًا.. هذا هو الوقت المناسب”
– الحمد لله الذي كشف لنا حقيقتك قبل أن تورط معك، ظلت زوجتك محبة متفانية لك وعلى جميع الأحوال كانت الصاحبة المطيعة السلبية المستسلمة، أحبتك من أعماق قلبها، ولم تستطع التخلي عنك يومًا رغم ما صنعته شهوتك من أجل معاشرة غيرها. وأنتِ هل تربس مخكِ؟ أفتحيه لو مرة واحدة في حياتكِ، فلو كان طلبها لابنكِ، لقال لكِ تعالي معي، لماذا سيخفي عنكِ أمر سار كهذا؟
أصر على قوله وأنكر ما نسب إليه النكران المبين. طلبت (أم قناعة) منه اليمين، قالت له زوجته: أحلف. اضطر إلى الامتناع مؤكدًا خيانته وخذلانه لها.