محمد الرياني
بدا لي أن الغرابَ يقول لصديقه الغراب وهما يحلقان على البحرِ قريبًا من الشاطئ :انظر لهذا يستقلُّ قطارَ الأطفال!! كنتُ وحيدًا وقتَ الأصيل، الكآبةُ تعتصرني على الرغمِ من جمالِ البحرِ وروعةِ النسيمِ القادمِ بعد الدفء، ظلَّا يرافقان العربةَ بصوتِها المجلجلِ على الرصيفِ وهما يواصلان النعيق ، حدثتُ نفسي هل فعلًا يَشمتان بي وأنا أعصرُ العمرَ ليكون طفولةً بيضاء، استبعدتُ كلَّ ذلك، قلتُ: هذان طائران يكفيهما السوادُ والشؤمُ الذي درجَ الناسُ على وَسْمِهما بهما، تواردتْ أسئلةٌ كثيرة، سؤالٌ يقول : هل حديثُ الغربانِ عن البحرِ وماذا يوجد به؟ لعلهما جائعان يريدان من لحمِ البحرِ ما يشبعهما ليزيدَ لحمُهما، ضحكتُ على تفكيري، هل يُعقلُ أن يُفكرَ الغرابان في تفكيرٍ كهذا؟ ربما فكرَّا في لونِ بشرتيهما، أو هل البشرُ يتضايقون من لونهما ، ابتعدا كثيرًا في السماءِ وسطَ الزرقةِ وأنا أتساءل! الطائران لايريَان البحرَ جيدًا ، هما يستمتعان في الهواءِ الطلقِ وأنا أستمتعُ بقطارِ الأطفال، تنهدت!! قلتُ لعلهما كبيران في السنِّ يحبان اللهوَ ولم يغير فيهما التقدمُ في العمرِ شيئًا، غفلتُ عنهما لأفتحَ بابَ العربةِ لأنزلَ بعد رحلةٍ قصيرةٍ ماتعةٍ جوارَ البحر ، هبطا بجانبي وكأنهما يراقبان حركتي، أطلقا صيحةً واحدةً في آن معًا، كانا قريبين مني، صحتُ فيهما بصوتٍ مرتفعٍ سمعَه قائدُ عربةِ القطار : ليتني أفهم لغتكما! التقطا شيئين من على الأرضِ وفرَّا نحوَ الفضاءِ وتركا قائدَ العربةِ يسألني عن سببِ صياحي، أجبتُه بأنني محتارٌ في أمر هذين الغرابين؛ يحلقان على البحرِ ويلهوان ويستمتعان مثلي تمامًا، لكنني أريدُ أن أتأكدَ من لغتهما ولايوجدُ مترجمٌ بيننا، حرَّكَ عربتَه وانطلقَ نحوَ آخرِين غيري، قال لي وقد أخرجَ رأسَه من فتحةِ بابِ العربة، اذهبْ وراءهما واسألهما عن لغتِهما، ضربتُ بيدي على جانبي، تمنيتُ أن معي أجنحةً لأحلقَ مثلهما، عادا من جديدٍ وكأنهما قد سمعا نصيحةَ قائدِ العربة، وددتُ أن أتحدثَ إليهما فلم تجرؤ شفتاي على الحركة، عجزتُ عن الكلام، بحثتُ عن طيور سوداء تفهمُ حديثي، غربتِ الشمسُ وألقتْ بنفسها في البحر ، غادتِ الغربانُ وهي تُخفي في صدورِها حديثَ الأصيل.