الدكتور منى الدحداح زوين تكتب:
من هي هذه الشخصية الشابة البارزة التي لفتت زعماء دول العالم، عزز السلطة في المملكة العربية السعودية وغيّر قوانينها في فترة وجيزة… انه محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ويشتهر أيضاً بـ (م.ب.س) M.B.Sوهو ولي عهد السعودية منذ ٢١ يونيو العام ٢٠١٧، كما أنه عُين رئيساً لمجلس الوزراء السعودي منذ ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٢ وكان يُعد من أصغر وزراء الدفاع وقت تعيينه في العالم ٢٠١٥، ويرأس ايضا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث تولى تدشين رؤية ٢٠٣٠ الهادفة لتحقيق التنويع الاقتصادي في المملكة بدلا من الاعتماد على النفط.
انّ رؤية ٢٠٣٠ هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية تم الإعلان عنها في ٢٥ أبريل نظَّمَ الخُطَّة مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان.
وقبل الشروع بهذه الرؤية اتخذت الحكومة في عام ٢٠١٦ سياسة التقشف بما فيها سحب سلطة الضبط القضائي من الشرطة الدينية بالمملكة وخفض الدخل الشهري لموظفي الدولة لعدة أشهر وتخفيف الدعم عن منتجات الطاقة.
قام ولي العهد الشروع أولا بمكافحة الفساد وغسيل الأموال والولوج الى الاصلاحات الداخلية، وله عبارة اطلقها في احدى المقابلات: “لن ينجو اي شخص دخل في قضية فساد أي من كان أميرا أو وزيرا او ايا كان.. فكل من تتوفر عليه ألادلة الكافية سيحاسب”.
ان مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي العهد يعمل على تنفيذ العديد من الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز البيئة التنافسية من خلال دراسة المعوقات والتحديات التي تواجه القطاعين العام والخاص، كما كان للمرأة دور مهم بتعزيز مشاركتها في التنمية الاقتصادية. ومن بين هذه الاصلاحات: الإصلاحات التشريعية والتنظيمية، الإصلاحات المرتبطة بتحسين بيئة الأعمال،الإصلاحات المرتبطة بتسهيل الإجراءات وأتمتتها، الإصلاحات المرتبطة بتعزيز مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية وتحليل التحديات والدراسات الاقتصادية، أما أبرز الإصلاحات المرتبطة بتعزيز مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية في المملكة هي:
توحيد إجراءات الحصول على جواز السفر، والسماح للمرأة بالسفر بدون قيود،عدم التمييز بين الجنسين في الحصول على خدمات التمويل، للزوج والزوجة الحق في استلام سجل الأسرة من إدارة الأحوال المدنية، منع فصل المرأة من العمل خلال فترة الحمل، صدور موافقة المقام الكريم على التعديلات الخاصة بأحكام لائحة الابتعاث والتدريب لتمكين المرأة، ضمان استمرار دفع الرواتب خلال إجازة الوضع، المساواة في سن التقاعد بين الجنسين، منع التمييز بين الجنسين في الأجور والوظائف تمكين المرأة من تأسيس وممارسة العمل التجاري دون الحصول على موافقة مسبقة. وفي احدى المقابلات افاد ولي العهد حول حقوق المرأة السعودية: “أنا أدعم المملكة العربية السعودية، ونصف المملكة العربية السعودية من النساء. لذا أنا أدعم النساء. في ديننا لا يوجد فرق بين الرجال والنساء. هناك واجبات على الرجال وواجبات على النساء. لكن هناك أشكالا مختلفة من فهمنا للمساواة”.
بعد تطبيق هذه الاصلاحات زاد عدد النساء في المناصب الإدارية خلال العقد الماضي، كما انها رفعت عدد سفيراتها في الخارج الى خمس، كما عرضت الخطوط الحديدية السعودية عدد من خريجات أولى دفعات قائدات قطار الحرمين السريع، التي تضم ٣٢ قائدة سعودية ينطلقن بأقصى سرعة لتحقيق حلمهن الكبير في قيادة أحد أسرع قطارات العالم واعترف تقرير البنك الدولي بأن المملكة العربية السعودية أفضل دولة مطبقة للإصلاحات المتعلقة بشؤون المرأة على مستوى العالم.
ولأن قطاع السياحة في السعودية أحد أهم القطاعات الاقتصادية في المملكة هناك عدّة مشاريع سياحية انجزت ومنها قيد الانجاز وفق معايير عالمية وبأفكاروابتكارات مميزة وفريدة تختلف عن أشكال السياحة التقليدية، ومن هذه المشاريع التي هي قيد الانشاء مشروع بوابة الدرعية، ومشروع القدية ومشروع إعادة إحياء جدة التاريخية مشروع تروجينا، مشروع السودة للتطوير، مشروع البحرالأحمر، ذا ريج، ذا لاين،أوكساجون بالإضافة لمشروع أمالا.
يرى الرأي العام السعودي أنّ الأمير بن سلمان هو من وقف وراء قرار رفع الحظرعلى قيادة المرأة في السعودية، وقرار إنشاء الهيئة العامة للترفيه والتي تقيم حفلات غنائية وترفيهة في السعودية بشكل مستمر منذ تأسيسها، والسماح للنساء بدخول ملاعب كرة القدم، حيث سمح ببناء دور السينما والاختلاط فيها، في حين كان كل ذلك محرماً قبل سنوات فقط ومحارباً من قبل الدولة.
كما سمحت السعودية ببيع أشجار عيد الميلاد في أحد مراكز التسوق في الرياض ودُمى الدب القطبي والتشيلو، كذلك سمحت باحتفالات الهالوين.
وتشير المعلومات أن هذا العام بدا الأمر مختلفا تماما. ففي العاصمة السعودية الرياض، “أقبل السعوديون على شراء أشجار عيد الميلاد، ومنذ العام ٢٠٢٠ تقوم الرياض باحتفالات مذهلة والعاب نارية بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية.
كما بدأ الجدل الذي كان يسيطر على الساحة حول قضية تهنئة غير المسلمين بأعيادهم في أوقات الاحتفال بأعياد الميلاد في التراجع إلى حدٍ بعيد حتى أن رجل الدين الإسلامي محمد العيسى قال في أحد البرامج التلفزيونية “إنه لا يوجد نص شرعي “يحرم التهنئة”، في إِشارة إلى تهنئة المسيحيين بالكريسماس.
كما أطلق سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية، التي تعد إحدى دعائم تحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ وارتكزت على أربع ركائز أساسية، هي: توليد الملكية الفكرية وإدارتها والاستثمار التجاري للملكية الفكرية وحمايتها، مبينة أنه سيتم التعامل، لتحقيق هذه الركائز، على تعزيز التعاون والتكامل بين الجهات الوطنية بوصفها شريكا أساسيا لدعم الابتكارات والإبداعات ونمو الاستثمارات على مستوى العالم، وذلك من خلال أهداف الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية التي تعزز قدرة المملكة على توليد أصول ملكية فكرية ذات قيمة اقتصادية واجتماعية.
هذه الانجازات السريعة، التي قام بها وليّ العهد كانت على الصعيد الداخلي أما على الصعيد الخارجي فلم تكن أقلّ قيمة وأهمية منها.
الزيارة التي قام بها في نوفمبر ٢٠١٦ وفد سعودي رفيع المستوى الى الولايات المتحدة، حاملاً رؤية السعودية للشراكة الاستراتيجية للقرن الواحد والعشرين إلى عدد من الشخصيات الأمريكية.
ووصفت العلاقة بين البلدين بانّ «السعودية هي الحليف الاستراتيجي الموثوق لواشنطن منذ أكثر من ٨ عقود»، وأنها «تسعى إلى استمرارها في لعب دور محوري في القضايا الدولية مع واشنطن واستثمار قوتها السياسية في توسيع التعاون الاستراتيجي، لا سيما في تحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط وحل النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، وإيران وسوريا والعراق واليمن وغيرها». وتلفت إلى أن”السعودية هي الحليف الأمثل للولايات المتحدة في أجندتها لمحاربة الإسلام المتطرف عسكرياً وفكرياً.
وهي «تُعدّ منارة العالم الإسلامي وصوت الإسلام المعتدل في المنطقة وتمتلك أدوات الفكر اللازمة لتغيير الفكر في المنطقة». وتضيف أنها «تمتلك القدرة على دعم البرنامج الاقتصادي للإدارة الأميركية الجديدة من خلال تعزيز استثماراتها في الصندوق السياسي في الولايات المتحدة». و«أعدت برنامجاً استثمارياً في الولايات المتحدة قد يصل إلى ٥٠٠ مليار دولار خلال ١٠ سنوات، مما سيساهم في خلق أكثر من مليون فرصة عمل في الولايات المتحدة».
في شهريوليو٢٠٢٢ وقبل وصول الرئيس بايدن إلى المملكة، من مطار “بن غوريون” أعلنت الرياض فتح أجوائها “لجميع الناقلات الجوّية”، في خطوة واضحة تجاه “إسرائيل”. وسارع بايدن إلى الإشادة بهذا القرار، واصفاً إيّاه بأنّه تاريخي. ولم يسبق لأي رئيس أميركي أن توجه جواً مباشرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى السعودية. وكان اللقاء بين بايدن وبن سلمان، من أجل مناقشة قضايا الطاقة والسياسة والعلاقات بين الخليج وواشنطن.
قام ولي العهد بمبادرة انسانية تجاه الأزمة الروسية – الأوكرانية، وبفضل المساعي المستمرة مع الدول ذات العلاقة، تم الإفراج عن عشرة أسرى من مواطني المملكة المغربية، والولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، ومملكة السويد، وجمهورية كرواتيا؛ حيث يأتي الإفراج عنهم في إطارعملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا.
وفي مستهل زيارة الرئيس الصيني للمملكة، وقعت شركات سعودية وصينية، ٣٤ اتفاقية استثمارية. شملت الاتفاقيات الموقعة، مجالات الطاقة الخضراء والهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية الكهروضوئية، وتقنية المعلومات والخدمات السحابية، والنقل والخدمات اللوجستية والصناعات الطبية، والإسكان ومصانع البناء.
وقال وزير الاستثمار السعودي خالد بن عبد العزيز الفالح، إن هذه الاتفاقيات تعكس حرص المملكة على تنمية وتطوير العلاقات مع الصين في جميع المجالات ومنها الاقتصادية والاستثمارية.
أبلغ ولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان رغبة السعودية في الانضمام إلى بريكس إلى رئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، ومن أهم المسائل التي يتم تطويرها حاليا فكرة زيادة الاعتماد على العملات المحلية في تسوية مدفوعات التجارة المشتركة وغيرها من المبادلات في المجالات الاقتصادية مثل السياحة والاستثمار. ولا شك أن تصريح وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان الذي قال فيه: “أضعنا ٤٠ سنة كان باستطاعتنا أن نكون خلالها مثل الهند والصين في مجال الصناعة ولكننا قررنا ألا نضيع وقتا آخر بهذه الاستراتيجية الوطنية للصناعة”.
اذا سيشكل مسار محمد بن سلمان الاصلاحي، الاقتصادي والاداري والسياسي والاستراتيجي نقطة تحول تاريخية في ارشيف العرب والخليج باتجاه العالم… الايام والاشهر القليلة القادمة ستكون اسطع دليل.
…………………
منى الدحداح زوين
استاذة جامعية وناشطة اجتماعية
0 104 5 دقائق