الروح/ صفية باسودان – جازان
– الو.. الو.. هل تسمعينني؟
– نعم اسمعكِ.. أكملي
أخذت نفسًا طويلًا وعميقًا، أخرجته رويدًا رويدًا، ثم قالت: “لم أقو أن تضيع خاطرتي سدى فشكوت حالي (للدكتور بليغ الناقد)، الذي كان صوته يضخ بعقلانية حد الجنون، وبالتفاؤل حد فقدان الأمل، قال لي: “بصي يا حياة مش حنعرف نعمل معه حاجة، وخلي في بالك ان الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها.. اكتبي من تاني”. ولم ينتهي من رده حتى ارادني عليلة، غير مصدقة لِمَ قاله.
وبكثير من الفقد والحرمان أضافت: ” هجرت قلمي وشيعت عالمه.. قدرنا أن نفترق وإلى الأبد”.
قلت لها:
– على أية حال ليس هذا كل شيء، فلطالما حدث مع الكثير مثلما حدث معك.
سألتني:
– حتى أنتِ؟
قاومت سطوة وجعي المكبوت ولم انفض عن ذاكرتي غبارها، سريعًا قلت لها ضاحكة:
– ربما أنا أولكن. وللأمانة ما كنتِ تنتظريه من الدكتور بليغ الناقد وصلكِ بأسلوبه وأنا متأكدة لو نفذتِ ما نصحكِ به من حينها لنجحتِ لا محالة.
– لكن
– من غير لكن.. أرجو أن تنصتي لي.. بصراحة هذا أمر طبيعي نظرًا إلى طبيعة عمله ومحل إقامته، الدكتور بليغ كان صادقًا معكِ ولا مصلحة له في غير ذلك، فهو شخصية محترمة ولا أبالغ أن قلت إن من على شاكلته النادر القليل، أنا شخصيًا أعرف أسرته الكريمة، زوجتة سيدة مثقفة ذات ذائقة رفيعة المستوى حتى انها تعدت الوصف، وهي تملك قدرة عالية على بعث الهدوء والسكينة في نفوس محدثاتها وفي بداياتي كانت من أول وابرز المشجعات لي.
– لكنه لم يقل لي أن نزية سرقك.
– وأن قالها هل ستسردين حقك؟ هل سيغير(نزية) ما تشدق به وصرح بها على الملأ؟ لن يغيره بتاتًا مع أنه من يوم نطق بها إلى الآن لم يستفد منها أحد بل زاد الأمر سوء وتكررت هذه الزيجات، مع ارتفاع معدل نقد الأخرين له ورفضهم إياه.. لم يقنعهم.. وبطبيعة الحال هو يبتسم ردًا على انها جهالة منهم أو مزحة غبية لا تضحك غيره.
ومع هذا لو فندنا رأي (الدكتور بليغ الناقد) لوجدنا فيه تصديقه لكِ وإيمانه بموهبتك، وقد أكد لكِ ذلك بمنظوره العكسي، وجهة نظره. فقد استبدل كلمة سرقة بحكمة وكلاهما ضالة، بعضهم يعيدها لاصحابها وبعضهم أينما وجدها لقطها!
– لم تكن ضالة، أنا عرضتها على (نزية الغير نزية) وهو يبرر له موقفه.
– لا.. لا.. لا يبرر له ولا يعذره! هو أخبركِ أن لا تضيعها في طريق أحد مرة أخرى. لأن بعض النفوس تفهم أن معنى عرض خذ هيأته لك. وهذا ليس خطئكِ إن كان موضوعكِ سمينًا في ذلك الوقت.