محمد الرياني
بينَ الأصيلِ والغُروبِ جلسنا نحن الثلاثة أنا وعلي ويحيى، دخلتُ من البَوَّابةِ الشرقيةِ للفناءِ الجميلِ وقتَ الأصيل، نويتُ أن أمكثَ دقيقةً واحدةً غيرَ أنَّ الشمسَ ألقتْ بالدقيقةِ خارجَ الأسوار، استقبلَني عليٌّ ثم تبعَه أخوه يحيى وجلسنا متقاربين تكاد أنفاسُنا أن تختلطَ لتكونَ نفسًا واحدًا، كان في جمجمتي غرضٌ واحدٌ؛ لكنَّ الخريطةَ الذِهنيَّةَ كشفتْ عن جغرافيةٍ بمناخاتٍ متعددةٍ ومواسمَ متباينةٍ ، انفرطَ العقدُ لأبوحَ للاثنين عن حُبِّي للأدبِ والإعلامِ والتعليمِ منذ الصغر، جئتُ بكتابٍ واحدٍ صغيرٍ فألقيتُه جانبًا واصطفتْ مئاتُ الكتبِ في رأسي لأرويَ للجميلين (علي ويحيى) عن الغُريِّب؛ أثلِها وعروجِها وملاعبِها وأزقتِها البريئة، وعن التعليمِ والأدبِ والإعلامِ؛ شؤونِها وشجونِها، ظلَّ الاثنان يستمعان والذكرياتُ تنسابُ كانهمارِ الهتَّان على أرضِ الغُريِّبِ المُخضرَّةِ وتتألقُ مثلَ عصافيرِها التي تغرِّدُ صباحَ مساءَ على رؤوسِ أثلِ الوادي الذي يضمها كَمنْ يضمُّ حبيبًا لايريده أن يغادر، مضى الأصيلُ والشمسُ تميلُ نحوَ الغروبِ، والحديثُ مع الاثنين لايُمَل ، ويبدو أنني استروحتُ أنفاسَ وأنسامَ الوادي والقريةِ الوادعةِ قبل أن أجلسَ متجهًا نحوَ الشرقِ دون قصدٍ وكأنَّ الأصيلَ أوحى إليَّ بأن أقابلَ الاثنين وأنا أنظرُ إلى الغُريِّبِ من ورائهما من أجلِ أن تنهمرَ الزفراتُ عطرًا وشذىً ، أصيلٌ حوبانيٌّ قد لايتكررُ ومعيَ علي حوباني وأخوه يحيى ، كانت زيارةً عابرةً ولكنها دعتْني لأكتبَ عن قريتِهما العتيقةِ ومدادِها الأسطوريِّ الذي استوحيتُ منه ألوانَ حروفي وعَبَراتي ، غربتِ الشمسُ وأظلمَ الليل ، أغمضتُ عينيَّ لأنامَ وبين جفنيَّ صُورَتا اثنين رائعيْن جمعَني بهما أصيلٌ استثنائي