محمد الرياني
تكادُ في مشيتِها تخرقُ الأرضَ في عيونِ الآخرين وفي نظري تكادُ تخترقُ عيني، أجلسُ على الرصيفِ وحيدًا والآخرون يفترشون المساحاتِ الخضراءَ لايبالون بهذا المنزوي، أحيانًا يتجهون عكسَ المكانِ الذي أجلسُ فيه، وضعتُ رأسي على صدري كي لا أراها تمشي مشيةَ الغزلان ساعةَ اللهو ، الحديقةُ بخيلةٌ بأزهارها، بها أشجارٌ كالحةٌ وكأنَّ الذي زرعَها لايحبُّ البهجةَ أو لم يجرِّبِ الحب ، صغارٌ وكبارٌ يلهون بمشاعرَ تبدو رمادية ، وأحيانًا يركضون بلاهدفٍ وأنا أنظرُ إليهم باستغراب، يقتربون مني أحيانًا فتنتابني فرحةٌ طارئة، يجعلونني أخفي رأسي كي لايراني أحدٌ أو أرى أحدًا، فكرتُ كثيرًا في الثأرِ من تلك التي تخطو خطواتِها دون اكتراث، ومن الصغارِ الذين يركضون نحوي ولايلقون لي بالا، عزمتُ أمري وعُدتُ في يومٍ آخر، كانت الشمسُ قد فقدتْ معظمَ وهجِها في طريقِها للاختفاء، أحضرتُ معي سلاتِ وردٍ حمراء وصفراء وبيضاء، وأخرى بها ألعابٌ للصغارِ ، وضعتُها إلى جواري، ضجَّ المكانُ كحالِ الليلةِ الفائتة، جاءوني يحسبونني بائعًا متجولًا، لم يخطر ببالهم أنني الذي غَضُّوا البصرَ عنه ، تحلقوا حولي صغارًا وكبارًا، ألقيتُ الورودَ والألعابَ على الأرضِ ليأخذوها بلا مقابل ، حملتْ كلُّ واحدةٍ وردة، وأخذَ كلُّ طفلٍ لعبةً وانصرفوا ركضًا نحوَ المساحةِ الخضراء، جاءت تتهادى كعادتها ، سألتْني!! هل بقيَ معك ورد؟ وضعتُ رأسي على صدري لأسمعَ دقَّاتِ قلبي، لم أُجبْها، تركتْني وانطلقتْ تَرملُ على الرصيف، عدتُ في المرَّةِ الثالثةِ ومعي أضعافُ ورودِ المرَّةِ السابقة، انتظرتُ كثيرًا ولم تحضر، امتنعتُ من أن تلمسَ الأيادي الأخرى الوردَ الفاخر ، قلتُ لهم هذه الورود لـ…، لم أكن أعرف من هي؟ نصحوني بأن أحملَ سلّتي الملونةَ وأذهبَ لزيارتها في المستشفى، لم أصدق! صفعتُ عينيَّ اللتين أصابتْها في مقتل، انطلقتُ مسرعًا ومرتادو الحديقةِ في الجانبِ الآخر يسألونني عن ثمنِ الوردةِ الواحدة ، أجبتْهم بأنني بعتُها كلها، لم أخبرهم بأنني سأُكفِّرُ بها عن فِعلتي، نادوا عليَّ بأنْ أعودَ إلى الرصيف، وأنَّ الذين في الجانبِ الثاني كانوا يمزحون بشأنِ إصابتها، أقبلتْ مع الغروبِ تتهادى كعادتِها، تناولتْ مني باقاتِ الورودِ بفرحٍ وأخذتْ توزِّعُها على الجميعِ وأنا منهم.