بقلم : احمد حسين الاعجم
جازان
في الزمن الجميل
وفي نهاية العام الدراسي
كانوا اذا قالوا لنا بكره ( تسليم الشهايد )
نقوم من النوم قبل طلوع الفجر
نقوم والفرح يلوّن ملامحنا
ونتناول وجبة ( القروع ) مما يتيسر
وننطلق الى المدرسة
كانت مزاقر قريتنا الصغيرة تمتلئ حركة في ذلك اليوم
فكل الطلاب ذاهبون للمدرسة
اللي مع اخوانه
واللي مع اصحابه
واللي مع ابوه
واللي يمشي
واللي راكب على حمار
وكل الأسر
والبيوت تعيش حالة ترقّب واستعداد للفرح
وكأن ( يوم الشهايد )
يوم عيد
وعندما نصل الى المدرسة
نقف في الخارج
حتى ينادينا عامل المدرسة عمي ( عزالدين ) الله يرحمه
وعامل المدرسة في تلك الايام كان الاب الروحي للطلاب
وكانت هناك عادة وهي ان تعطي عامل المدرسة ريال
ليعطيك الشهادة
ومعظم الطلاب يأتون ومعهم ريال الشهادة
فالناجحون يستلم منهم الريال ويسلمهم الشهايد ويقول لهم: مبروك ياشاطر
وغير الناجحين ممن في شهايدهم دوائر حمرا
يعطيهم صامتا ودون ريال !
وفي البداية كل واحد يورّي زملاءه واصحابه شهادته
ثم يبدأ السباق ( مَشَاوِرْ )
الى البيت
الشهادة في يد والحذاء في يد والثوب ممسوك بين الاسنان كل يريد ان يكون الاول في اخبار اهله بنجاحه
وتنطلق الغطاريف من كل البيوت
حتى كانت الاسرة اللي ما فيها حرمة تعرف تغطرف تستعين باحدى الاقارب او الجارات لتغطرف لها لابناءها
وينطلق ( الدّوف) فيهز اركان القرية
حيث كان بعض الاباء يجهزون بنادقهم بالرصاص للاحتفال بنجاح ابناءهم
وتتحول القرية الى مهرجان فرح كبير
وبعد استراحة بسيطة في البيت
تبدأ المرحلة الثانية
وهي الذهاب الى الاقارب من اخوال وخالات واعمام وعمات
والى الجيران
لنريهم الشهادة
وكانوا يفرحون لنا كما يفرحون لابناءهم
ونرى ذلك في قسمات وجوههم
فبعضهم يقبل رؤوسنا مباركا
وبعضهم يعطينا ريال هدية النجاح
كل حسب ظروفه
وكانت قبلة الرأس تساوي عشرات الريالات
لما فيها من تقدير للانجاز الذي حققته
ثم نعود لبدء المرحلة الثالثة وهي وضع قماش على شكل علم على ( قرعينة ) رأس العشّة
ليعلم كل اهل القرية والعابرون اننا ناجحون
حيث كانت تتحول عشش القرية الى اعلام في منظر بهيج وكأننا في يوم عيد
كما كان يتعاون كل ابناء القرية في ذلك اليوم
الطلاب الكبار يساعدون الصغار في وضع العلم على القرعينة
وتعيش الأسر والبيوت يوم الشهايد في
شعور جماعي بالسعادة والفرح والسرور
ينعكس على الجميع صغارا وكبارا وعلى القرية بكل تفاصيلها
انه الزمن الجميل زمن الافراح البسيطة التي تنبع من الارواح دون تكلف
وزمن المجتمع البسيط الذي يعيش الحياة بلا قيود
اما نحن الناجحون فان الشهايد كانت لاتفارقنا حتى وقت النوم
وحتى ونحن نمارس الحياة الطبيعية من رعي وعلّفة ووريد الى البير لجلب الماء
او نلعب العابنا الشعبية
يكون الحديث عن يوم الشهايد
فالرعاة يسألون ويباركون
والمعالفة يهنئون
والبرّاحين على البير يسألوننا ويشاركونا الفرح
وهكذا تمضي الاجازة الصيفية
ويوم الشهايد بكل تفاصيله هو محور الاحاديث في عالم الطلاب
حتى يبدأ العام الدراسي الجديد .