مقالات مجد الوطن

(محادثة كتابية)

 

الكاتبة/ أحلام بكري

…………………….

لم أكُن أدرك بأنَ ماكان خيط من خيال سيتحقق ، قضيت نهاري كُلهُ لأصنع من نفسي أُنثى لن تتكرر أمام ناظريه..

أخيراً سألتقيهِ وجهاً لوجهٍ ، سيتسلل صوته عبر مسمعي وسيتمثل أمام ناظري ذلك الرجل المحبوس المدسوس في هاتفي طيلة سبعة أشهرٍ ..

كل مادار بيننا من محدثات ؛ جعلتنا ننصهر في أفكار بعضنا ، ونرسم بخطى رقيقة مستقبل مخملي..

وعودنا ضحكاتنا أمنياتنا طموحنا اهتماماتنا شغفنا ، سيجسدها اليوم لقاءٌ به ، باتَ وشيكاً..

أحببتهُ ..؟!

كثيراً ما سألت ذاتي هذا السؤال وتلمست إجابة ؛ نعم ؛ كيف لا أحبهُ ..؟؟!

برقة حديثهُ الكتابي معي كان محباً عاشقاً ؛ رجلاً شهماً ذو شمائل هادئة تنم عنه طريقة محادثتهِ معي رغم أنهُ كان لا يُحادثني إلآ كتابةً ؛ ولكنهُ جعل الطريق عشبيّ طري تحت قدمي..

اليوم فقط سأقابلهُ بمقهى قريباً من مقر سكني أتردد عليه دائماً ، كنتُ قد حددتهُ كي لا أشعر بغربة المكان ، وأكتفي برهبةِ اللقاء..

بعد أن أكد لي وصولهُ و رقم الطاولة ، توجهت بقلبٍ يرتجف وملامح مضطربة فقد كانت مغامرتي الأولى وأردتها الأخيرة..

توجهتُ للطاولة ألقيت السلام ، وقف هلِعاً مرتبكاً ، قال : أهلاً -بصوت خافت- وجلس بسرعة قبل جلوسي..

كان على درجة كبيرة من الوسامة قد حفظتُ تقاسيم وجههِ من صورهِ التي يرسلها لي..

ألتزمت الصمت لبرهة كي أطرد هلعي ولكن تشتتهُ أمامي كان مُلفتاً لعيني ، عيناه لم تستقر بي ولا بأي مكان ، يلتفت يمنةً ويسرةً ، هو أيضاً أمامي بموعدهُ الأول ؛ ولكنني كنت أكثر هدوءً منهُ ، كسرت عاصفة القلق وبادرت بالحديث قائلة : كيف حالك..؟؟

رد -بصوت غير مسموع- : الحمد لله..

مباشراً أشار لنادل المقهى وكأنهُ يهرب من هذا الموقف ، كانت عيناه على الطاولة لم يرفعها إلآ ليجول بها يمنةً ويسرة ، وأنا أترقب وأنتظر حواراً ما يُفتح أمامي..

كنت متشوقة لسماع نبرة صوتهُ وطريقة حديثة ، أردت أن أعرف أكثر من يحادثني كتابياً عبر هاتفي الجوال..

لم أجدهُ أمامي ولم أشعر به..

حضر النادل وبصوت ودود قائلاً : إليك ياسيدي قائمة الطلبات ، دافعاً بالقائمة تجاههُ ، وبشكل سريع أشار إليّ ، كي يحولها النادل لي..

وكأنه يرمي الكرة في ملعبي ويجعلني أتعامل مباشرة مع القائمة والنادل..

أخذتها وقلت له : ماذا تريد أن تتناول شيئاً بارداً أم ساخناً ..؟؟

رد بتعجل وبصوت مرتجف أطلبي ماتريدين..

قالها ورأسهُ مُنخفض وعينيه للأسفل..

توليت أمر الطلب ، وخرج تفكيري عن المكان ؛ سارحاً مسترجعاً محادثاتهِ وطريقة أسلوبهِ وعباراتهِ الرقيقة التي يكتبها ، محادثة نفسي ؛ أيُعقل أن يكون الرجل الذي أحببت كل ما فيه سيظل حبيس هاتفي ولا يمتُ لهذا القابع أمامي بأي صلة..

أردتُ كلمةً أو نبرة صوت أو تصرف منهُ يقطع حديثي لنفسي وسرحاني ؛ فلم أجد..

قررت أن أكسر الحاجز وأدير اللقاء بكل شجاعة بدأت بالأسئلة ، وكنت أتلقف الإجابة بكل صعوبة منه ، فلم يكن هناك مجال للحوار وجهاً لوجه بيننا ، مما أضطرني أن أقلب هذا اللقاء كتحقيقاً مكتظاً بالأسئلة المتزاحمة في رأسي ، لعلي أجد مايُقنعني أنهُ ذلك الرجل الذي أعرفهُ ، كنت شديدة الملاحظة لطريقة حديثة وصعوبة تجاوبهُ معي ، إهتزاز فنجان القهوة في يدهِ أثناء تناوله ، نبرة صوتهُ الوجلة المترددة المتلعثمة وهو يجيب عن أسئلتي الكثيفة وعدم إرتياحهُ في المقهى لإزدحام الناس حولهُ ..

وكان إكتشافي يجره خيبة عظيمة ، أنني أتعامل مع رجل محدود حبيس الدردشات الكتابية ، لا مكان له على الواقع ومايدور حوله ، متوجس وهلع وخجول ، رغم جُرأتهُ في المحادثات الكتابية ووضوح شخصيتهُ..

وكما توجهت إليه بقلبٍ يرتجف وملامح مضطربة عدت أدراجي ، مرددة بداخلي لا بأس فقد كانت مغامرتي الأولى وأردتها الأخيرة..

……………..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى