بقلم الأستاذ معدي حسين آل حيه
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ عَلَى الإِنْسَانِ نِعْمَةَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ فِي الأَبْدَانِ، وَلَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا إِلَّا مَنْ سُلِبَهَا، وَكَمَا قِيلَ: الصِّحَّةُ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لَا يَرَاهُ إِلَّا الْمَرْضَى، انْظُرُوا فِي المُسْتَشْفَيَاتِ: هَذَا فِي غَيْبُوبَةٍ، وَهَذَا مُصَابٌ بِالشَّلَلِ، وَذَاكَ كَسِيرٌ، وَهَذَا مَبْتُورُ الأَطْرَافِ، وَآخَرُ مَبْطُونٌ، وَهَذَا يَشْتَكِي أَلَماً، وَذَاكَ يَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَحِينَئِذٍ سَتَعْرِفُ قَدْرَ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْكَ فِي صِحَّتِكَ، وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْمَدُ اللهَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَهُوَ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ فَيَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» وَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم عِظَمَ قَدْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ: فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» وقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَسَارَةَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَتَفْرِيطَهُمْ فِي اسْتِغْلَالِ نِعْمَتَيِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ، فَقَالَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُقَدِّرُونَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ، وَلَا يُؤَدُّونَ شُكْرَهُمَا، وَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُمَا فِيمَا يَنْفَعُهُمْ.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ –رَحِمَهُ اللهُ-: «اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الإِنْسَانُ صَحِيحاً وَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغاً لِلْعِبَادَةِ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَفَرِّغاً مِنَ الأَشْغَالِ وَلَا يَكُونُ صَحِيحاً، فَإِذَا اجْتَمَعَا لِلْعَبْدِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَيْهِ الكَسَلُ عَنْ نَيْلِ الفَضَائِلِ فَذَاكَ الغُبْنُ، كَيْفَ وَالدُّنْيَا سُوقُ الرَّبَاحِ، وَالْعُمْرُ أَقْصَرُ، وَالْعَوَائِقُ أَكْثَرُ؟!!»
وَلِذَلِكَ حَثَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى اسْتِغْلَالِ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ النِّعَمِ الجَلِيلَةِ، فَقَالَ: «اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ موتك” فَالمُؤْمِنُ الكَيِّسُ الفَطِنُ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ صِحَّتَهُ وَفَرَاغَهُ بِطَاعَةِ اللهِ، وَفِيمَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالنَّفْعِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، كَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ قِرَاءَةِ القُرْآنِ وَحِفْظِهِ، وَالإِكْثَارِ مِنَ الذِّكْرِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَصِيَامِ الأَيَّامِ الْبِيضِ أَوِ الإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، وَكَذَا قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْوِتْرِ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَحُسْنِ تَرْبِيَةِ الأَوْلَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ وَالإِحْسَانِ ونسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والأستقرار وجميع بلاد المسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين