محمد الرياني
وحيدًا يضربُ كفًّا بكف، يناجي الجدرانَ الرمادية، يقرأُ الأحرفَ المختبئةَ في ثناياها، يستنطقُ أشياءً غيرَ مفهومةٍ ليريحَ الكفين من التصفيقِ اليائس، يقتربُ أكثر ، يُقلّبُ بصرَه في العتمة، يأملُ من الصباحِ الجديدِ أن يتبدلَ اللونُ الرماديُّ إلى شكلِ ورقةٍ خضراء يسكبُ عليها الندى ماءَه أو يأتي عصفورٌ تائهٌ خرجَ من عشِّه ليستكشفَ جديدَ الصباح، يقفُ عند البابِ الذي ينفتحُ على فضاءٍ فسيحٍ خالٍ من الحركة، هاجرتْ العصافيرُ بحثًا عن مساحاتٍ أخرى فيها أعشاشٌ ملونةٌ أو أغصانٌ فاتنة، ينظرُ إلى أعلى فيصفِّقُ لعله يحدثُ صوتًا يخترقُ الصمت، تبدو السماءُ صافية؛ فلا أثرَ لسحابٍ أو غمام، الصيفُ أدخلَ صفاءَه في كلِّ شيء ، الأشجارُ تبدو واقفةً مثلَ عمودٍ عتيق ، هدوءٌ يسكنُ المكانَ فلا صوتَ يعلو على سمتِ السكينة، يعودُ إلى الجدرانِ الرماديةِ يتأملها، يعيدُ التفكُّرَ فيها، يفتحُ عينيه تارةً ويغلقُها تارة ، يغلقُ البابَ على نفسِه كي لايرى شيئًا، يلتفتُ إلى الخلفِ ليستوعبَ كلَّ الجدران، حركةٌ تدبُّ على البابِ فتهزه هزًّا، يكادُ البابُ ينفتح، نسائم تدخلُ من تحتِ الباب ومن فوقه، ماالذي يحدث، أمطرتِ السماءُ في الصيف ، تركَ البابَ كي تغرقَ غرفتَه الوحيدة ، ارتوى اللونُ الرماديُّ بالماءِ القادمِ من بعيد، تحقَّقَ حلمَه، وتشبَّهَ الجدارُ بالورقةِ الخضراءِ كما تمنى، ازدادَ نضارةً على الرغمِ من لونِه الكئيب، وضعَ كفيه اللتين يُصفقُ بهما وسطَ الماءِ البارد ، غسلَ وجهَه كي يطردَ حالةَ اليأس، ثمَّ مسحَ على الجدارِ ببقيةِ المطر، ترك البابَ مفتوحًا لينظرَ إلى بعيدٍ، ظلَّ يتأملُ السماءَ أكثرَ بدلًا من النظرِ إلى الجدران .