من أختيارات “الأستاذ معدي حسين على آل حيه” عن حَقِيْقَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَيَقِيْنٌ لَا مَفَرَّ مِنْهُ، كُلٌّ يَعْلَمُ أَنَهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، وَقَلِيْلُ مَنْ يَسْتَعِدُّ لَهُ، تَأْنَفُ مِنْ ذِكْرِهِ النُفُوسُ، وَيُصِيْبُ النَّاسَ عِنْدَ سَمَاعِ أَمْرِهِ العُبُوسُ، لَكِنَّهُ الـمُسْتَقْبَلُ الذِي لَا مَفَرَّ عَنْهُ.
هُوَ الـمَوْتُ مَا مِنْهُ مَلَاذٌ وَمَهْرَبُ *** مَتَى حُطَّ ذَا عَنْ نَعْشِهِ ذَاكَ يَرْكَبُ
نُؤَمِّلُ آمَالَاً وَنَرْجُـوا نِتَاجَهَـا *** وَبَابُ الرَّدَى مِمَّا نُرَجِّيهِ أَقْرَبُ
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُ رَحِمَهُ اللهُ: “مَا رَأَيتُ يَقِينَاً أَشْبَهَ بِالشَّكِ مِنْ يَقِينِ النَّاسِ بِالـمَوتِ وَغَفْلَتِهِمْ عَنْهُ”.
رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤمنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهَا فَقَالَ: “يَا أُمَّ الْمُؤمنِينَ، إِنَّ بِي دَاءً، فَهَلْ عِنْدَكِ دَوَاءٌ؟” قَالَتْ: “وَمَا دَاؤُكَ؟” قَالَ: “الْقَسْوَةُ؟”، قَالَتْ: “بِئْسَ الدَّاءُ دَاؤُكَ، عُدِ الـمَرْضَى، وَاِشْهَدِ الْجَنَائِزَ، وَتَوَقَّعِ الْمَوْتَ”.
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ}، كُلٌّ سَيَذُوقُهُ، الـمُؤْمِنُ وَالكَافِرُ، الغَنِيُّ وَالفَقِيْرُ، الأَمِيْرُ وَالغَفِيْرُ، لَكِنَّ العِبْرَةَ بِمَا بَعْدَ الـمَوْتِ {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
إِخْوَانِي، هَلْ رَأَيْتُمْ أَحَدًا خُلِّدَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى نَكُونَ مُخَلَّدِينَ؟ أَمْ أَنَنَا مِنَ الرَّحِيلِ إِلَى الْآخِرَةِ عَلَى شَكٍّ فَنَكُونَ بِالْقُرْآنِ كَافِرِينَ؟ فوَ اللهِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَخُلِّدَ خَاتَمُ النَّبِيينَ، لَقَدْ رَانَتْ عَلَى قُلُوبِنَا سُتْرَةُ الغَافِلِينَ، وَاِسْتَحْوَذَ عَلَى نُفُوسِنَا كَيْدُ الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ، حَتَّى نَسِينَا الْمَوْتَ الـمُفَرِّقَ لِجَمْعِ الجَامِعِينَ.
الْمَوْتُ بَابٌ وَكُلُّ النَّاسِ دَاخِلُهُ *** فَلَيتَ شِعْرِيَ بَعْدَ الْبَاب مَا الدَّارُ
الدَّارُ دَارُ نَعِيمٍ إِنْ عَمِلْتَ بِمَا *** يُرْضِي الْإِلَهَ وَإِنْ خَالَفْتَ فَالنَّارُ
لَمَّا نَزَلَ الـمَوتُ بِعَمْرِو بنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ اِبْنُهُ: يَا أَبَتِ، قَدْ كُنْتَ تَقُولُ: إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ رَجُلٍ يَنْزِلُ بِهِ الـمَوْتُ وَمَعَهُ عَقْلُهُ وَلِسَانُهُ كَيْفَ لَا يَصِفُهُ؟ فَقَالَ: “يَا بُنَيَّ، الـمَوْتُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ، وَلَكِنْ سَأَصِفُ لَكَ مِنْهُ شَيْئًا: وَاللهِ لَكَأَنَّ عَلَى كَتِفَيَّ جِبَالُ رَضْوَى وَتِهَامَةَ، وَكَأَنِّي أَتَنَفَّسُ مِنْ سَمِّ إِبْرَةٍ، وَلَكَأَنَّ فِي جَوْفِي شَوْكَةُ عَوْسَجٍ، وَلَكَأَنَّ السَّمَاءَ أَطْبَقَتْ عَلَى الأَرْضِ وَأَنَا بَيْنَهُمَا”.
قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَكَعْبٍ: “يَا كَعْبُ، حَدِّثْنَا عَنِ الـمَوْتِ”، قَالَ: “إِنَّ الـمَوْتَ كَشَجَرَةِ شَوْكٍ أُدْخِلَتْ فِي جَوْفِ اِبْنِ آدَمَ، فَأَخَذَتْ كُلُّ شَوْكَةٍ بِعْرِقٍ مِنْهُ ثُمَّ جَذَبَهَا رَجُلٌ شَدِيدُ القُوَى فَقَطَعَ مِنْهَا مَا قَطَعَ، وَأَبْقَى مَا أَبْقَى”.
لَحْظَةُ الـمَوْتِ.. هِيَ اللَّحْظَةُ التِي يَهْرُبُ مِنْهَا العِبَادُ، وَهِيَ تأتِيهِمْ لَا مَحَالَة، أعَانَنَا اللهُ عَلَيْهَا: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.