محمد الرياني
ماهذا الليل ياليلى؟
يسألها!
تلتفتُ إليه، يشعُّ بعضُ الليل نورًا، القمرُ غائبٌ تمامًا عن المشهد؛ باستثناءِ بعضِ النجومِ التي تُرى في السماء و على بُعدٍ سحيق، يسألها عن سرِّ البياضِ الذي أضاءَ المكان، يزدادُ المكانُ برودة، يجمعُ عيدانَ الحطبِ كي يصطلي من البردِ الذي خيَّمَ على البقعة، أرادتْ أن تُزوده بالحطب كي يدفعَ البرد ، رفضَ في إصرار، لم يُرد لبياضِ وجهها أن يظلمَ من تَطايُرِ الفحمِ في الظلمة، جلستْ تراقبه وهو يضرمُ النارَ فتبتسم من فعله، استوتِ النارُ على سُوقِها وارتفعَ اللهبُ وانزاحَ البردُ وتقهقرَ بعضُ الظلامِ وبقيَ نورُ وجهها قمرًا يسكنُ الأرض، قال لها : اقتربي الآن، مدتْ كفَّيْها نحوَ الحرارة، شعرتْ بالدفءِ يسري في بياضِ جسدها، قالت له : ما أجملَ الليل في حضورِ اللهب! ردَّ عليها : ما أروعَ الليل في حضورِ بدرِ الأرض! لم تنتبه ! نظرتْ إلى السماءِ فلم ترَ سوى الظلام يُطبقُ على الأفق، قالت له: ليس للقمر حضورٌ الليلة، لقد حضر قبل أيامٍ ثم غادرنا، الليلة ظُلمة وسيعود لينير الكون ، التفتَ إليها، قال أعلم ذلك، مسحَ جبينَها المشرق، رسمَ دائرةً حولَ وجهها وهي تتعجبُ من فعله، ضمَّها إلى صدره، قبَّلها بإحساسِ الأُبُّوة، نظرَ إلى السماءِ فنظرتْ معه إلى السقفِ البعيد، مدَحَها قائلًا : ما أروعَ المكانَ الليلة والظلامُ يحيط به، قال لابنته: ما أروعَ الأرض عندما حملتْكِ بدرًا الليلة، لم تقوَ على المقاومة، حثت الترابَ على النارِ لتطفئ اللهب، أظلمَ المكانُ فعادَ البرد، ارتمتْ في حضنِ أبيها لتشعرَ بحرارةِ مشاعره ، أغمضتْ عينيها ونامت، بقيَ يتأملُ وجهَها الصبوح، نسيَ أنه في فصلِ الشتاءِ وأن كفَّيْه ترتعشان من البرد.