قال مصطفى الرافعي
علمتني الحياة :
أن من شغل بعيوب الناس كثرت عيوبه وهو لا يدري ..
ومن عاب الناس عابوه، ومَن ذمَّهم ذمُّوه».
إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه».
الواجب على الإنسان العاقل ترك عيوب الناس و الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه .
و لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس .
الإنسان مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)
فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ، ولم يتعب قلبه .
كلما اطلع الإنسان على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من عيب أخيه .
و إن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه ، وتعب بدنه ، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه .
لماذا لا يرى الناس عيوبهم كما يرون عيوب الأخرين ، قال حكيم : لأن الإنسان عشيق نفسه ، والعاشق لايرى عيوب عشيقه .
إن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه، ومَن ذمهم ذموه .
قال محمد بن سيرين: «كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغها لذكر خطايا الناس».
إن الكثيرين منا يفتقدون المحاورة الصريحة مع الذات، فعلينا ألا نخادع أنفسنا، ولا نغالطها، وعلينا أن نقوم بعملية التقويم الذاتي لأنفسنا، فمعرفة الإنسان بعيوب نفسه والعمل على تلافيها وعلاجها .
و كل منا أدرى بعيوب نفسه إن أحسن التنقيب عنها واجتهد في إصلاحها
قال الحسن البصري :
( يا ابن آدم، لن تنال حقيقة الإيمان حتَّى لا تعيب النَّاس بعيب هو فيك، وتبدأ بذلك العيب من نفسك، فتصلحه، فما تصلح عيبًا إلَّا ترى عيبًا آخر، فيكون شغلك في خاصَّة نفسك).
فإن تتبع عورات الآخرين من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تزرع الأحقاد في النفوس وتشيع الفساد في المجتمع؛ فيجب على من يفعلها التوبة والإنابة والتحلل بطلب العفو والمسامحة ممن ظلمهم بتلك الطريقة إذا علموا بما جناه، وإلا فليتب فيما بينه وبين ربه، ويستغفر لهم، ولا يحمله ما اطلع عليه على بعض الناس .
الغيبة محرمة و هي ذكر المسلم في غيابه بما يكره أن يُذكر به، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟
الغيبة تؤدي إلى الوقيعة في الناس ؛ لأنها لا تقال إلا في غيبته ، يقال:
اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه وذكره بما يكره من العيوب .
وقد جاء حديث عن معاذ بن جبل ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعْمَلَهُ.
كما أن الكلام في أعراض المسلمين بما يكرهون منكر عظيم، وهو من الغيبة المحرمة، بل من كبائر الذنوب لقوله :
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات].
و في بيئة العمل إذا كان الكلام على الآخرين
أو نقل الكلام إلى المسؤول تتعلق به مصلحة العمل، فلا حرج فيه، ولكن ينبغي أن يعلم أن مصلحة العمل ليست بالهوى أو التشهي، إنما تعرف بالشيء الذي يترتب على عدم تلافيه
أو إبلاغه للمسئول تعثر سير العمل أو ظلم للآخرين
في النهاية يفضل أن يجلس الشخص بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس ، مطلع على خفايا الآفات و يساعده في مجاهدته ، وهذا شأن التلميذ مع أستاذه ، فيعرفه أستاذه عيوب نفسه ، ويعرفه طريق علاجه .
ندى فنري
أديبة / صحفية