وداعا شاعر البيان
“أهوى البيان” .. وزادت زفرتي.. صخبي
خطبٌ عظيمٌ دهانا في دُجى رجبِ
قالوا: ثوى حسنُ القاضي فأرّقنا
حزنٌ وبتنا نعزّي النفسَ بالكذبِ!
لكن وقد حلّ من ربّ الورى قدَرٌ
فلا مناص لنا من صبر محتسبِ
(الجوهريّات) تبكي فقده ولها
أنينُ ثكلى أهاج الدمعَ في الكُتُبِ!
“من أين يأتي البيانُ الحرُّ” يا حسنٌ
وقد رمتك “الليالي السودُ بالنُّوَبِ”؟!
أتيتُ جُدةَ من شهرٍ لأدركَه
لكنّ ما فيه من داءٍ طوى طلبي
تغلغل الداءُ حتى نال نَهمتَه
منه وأقعده عن منتهى الأربِ!
سألتُ عنه هناك المحتفين به
لما دُعيتُ إلى (لاميةِ العربِ)
سألتُ.. واليومَ ينعى الشعرُ فارسَه
من انتضى وأنار الناديَ الأدبي!
” أهوى البيان وحظي” اليومَ أندبُه
جلَّ الرثاءُ لمجد النحو والأدبِ!
معاهدُ العلم ولَّتْ بعد أن شهدتْ
في صحةِ الشيخ ضعفاً بيّنَ السببِ!
والنحو ما عاد مفهوماً كما سلفتْ
أيامُه عند قاضي النحو من حِقَبِ!
(مُقرَّرُ ابنِ عقيلٍ) صار منطوياً
في آخر الفصل يُخفي همَّ مُنتحبِ!
تالله قد هذبوا تهذيبَه فغدا
كابن اللَّبون بلا ظهرٍ ومُحتَلَبِ!
“أهوى البيان” إذا ما زرتُ سادتَهُ
أمثالَكم وأخذتُ الشعرَ عن كثَبِ
وكم تأملتُ في أبياته زمناً
واليومَ غاب “ولمّا ينقضِ أربي”!
ومنذ صافحتُ في النادي جواهرَه
صرخت يا قومِ “هذي غايةُ الطلبِ”!
“تحيا البلادُ بأهليها وقادتِها”
أمثال شاعرنا القاضي أخي النسبِ
مضى وخلّف طلاباً وأفئدةً
“تروي حكايةَ” فذٍّ “شاخ وهْو صبي” !
وكم سعدنا بما أمليتَ من عِبَرٍ
ومن دروسٍ ومن نصحٍ ومن خُطبِ!
و(أنت والشعر والمحراب) قد قُرنتْ
يا (صانع المجدِ) في جدٍّ وفي نَصَبِ!
عالجتَ بعض القضايا إذ وقفتَ على
(زوجِ السجينِ) وكان الدمعُ في صَببِ!
وعشتَ تدفعُ أجيالاً إلى قممٍ
من العطاءِ، ولاقَوا فيك خيرَ أبِ
الحُسن مرتبطٌ باسمٍ لكم فغدا
قولاً وفعلاً ومعنىً واضحَ الحدَبِ!
ما دمتَ في عصرنا فالفألُ يصحبُنا
أيامُكم “حُفّلٌ معسولةُ الحلَبِ”!
وقد مضيتَ إلى العلياءِ مؤتسياً
بباسقاتٍ تجلّت “في ثرىً خَصِبِ” !
“قضيّةُ الشعر” كانت عند فطنتكم
منصورةً، ليس “فيها الرأس كالذّنَبِ”
نمّيتَها في صفا جازانَ مبتكراً
معانياً لم تضعْ في “السُّخْفِ واللّعِبِ”!
تبكي القوافي فتاها وابنَ بجدتها
“ولم يعُدْ بحرُها بالصاخبِ اللَّجبِ”!
عليك رحمةُ مولانا نردّدُها
ما هلَّ دمعٌ “وفاضت أعينُ السُّحُبِ”.
الدكتور جبران بن سلمان سحاري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.