مقالات مجد الوطن

” كريمة “

 

يقال دوما كقاعدة عامة أن جميع البشر تسعى لحياة “كريمة” .
ترى ماذا تعني كلمة كريمة في هذا السياق؟
بعض الناس ترى الحياة الكريمة في كثرة المال وفائض الدخل وإن زاد عن الاحتياج.
والبعض يعرّف الحياة الكريمة بأنها الحياة التي لا نقص فيها خاصة من الجانب المادي.
ويظن كثيرون أن صفة الكرم للحياة تبين أن الحياة فيها ثراء وبذخ قد يصل بهم للسفه والبطر.
وبعضهم يعتقد أن كلمة كريمة تعني من الناحية المعنوية خلوا من البأس والضراء واستمرارية للرخاء.

كل المفاهيم السابقة لمعنى وصف “كريمة” مجانبة للصواب.
الحياة الكريمة في مفهومها العام تعني “تلبية احتياجات الأفراد الأساسية في المجتمع الذي يعيشون فيه، وتحقيق الحد الأدنى من الرفاهية في حياتهم”.
وإن كنت لا أتفق مع لفظ الأدنى، فلا مانع أن تعلو عن مستويات الأدنى للمستوى المتوسط ثم فوق المتوسط ثم الغني والثري.
ولا ضير من ذلك ولا عجب، فالكرم درجات.
لكت الخير والعيب أن يخطئ الناس في فهم كرم الحياة واستيعابها.
إذن هوس البعض باقتناء المال أو السعي وراءه حلالا كان أم حراما لا يصل بهم لحياة كريمة، فالإنسان أولى من الحياة أن يكرم فقد كرمه الله وذكر ذلك في كتابه فإن تحول لوحش شرِه لحب المال والتنازل الأخلاقي من أجله فقد الإنسان كرامته فكيف بحياته!
وترى مدى الترابط في اللغة والمعنى بين “كرم وكرامة” فهما كلمتان ذات صلة فالكرامة قيمة تضاف للفرد فتجعله عزيزا.
والكرم مادي ومعنوي أما الكرامة فهي قيمة معنوية غالبا لذا ففي رأيي أن كل كرامة تشمل كرما أو سخاء ووفرة من أمر ما ولكن ليس كل كرم يؤدي لكرامة.
وهنا النقطة الفارقة ،
فشرائح المجتمعات في كل أصقاع الكوكب الآن يتدثرون بدثار الاستهلاك وحب الكماليات، كل البشر إلا من رحم ربي، فالمستهلكون عبدوا المال لأنه يلبي الكماليات التي تنكرت في ثوب الاحتياجات وفقا لاختلال المعايير، ومجددا أنى للحياة أن توصف بكريمة وأهل الحياة عبيد لصغائر الأمور!!.
بل هناك من يبيعون الكرامة مقابل الفساد والبغاء والمخدرات والنشوة والشذوذ ويتشدقون بكرم حياتهم، يا للكرم الذي لا يخلف كرامة بل ذلا ومهانة وحيوانية!
وهؤلاء حالهم أصعب فهم لا يملكون أداة دفاع ضد نزواتهم ورغباتهم لذا فإن آمدتهم الحياة بشهواتهم كانت كريمة وإن خلت منها صارت لئيمة بخيلة وفق تصورهم.
وتجد من يرى أن سيارته غير الفارهة تحرم حياته من صفة الكرم أو قصوره عن السفر ست مرات في العام ضرا وإيلاما، تفاصيل إضافية تتملك العقل والقلب فتجعل الإنسان يزهد نعم ربه التي لا تُعد طمعا وجشعا .
ومن الناحية المعنوية، يطوف في سطح المجتمع كثير ممن يظن كل ابتلاء سوء حياة ولؤم معيشة.
فتراه يرفل في بحيرات الهناء فترات وإذا ما أجدبت ذات موسم كفر ونفر وجزع وكأن الدنيا تحت إمرته عليها أن تمنحه نعيما لا يتبدل على خلاف سنة الكون.
وهناك من يبطر بكرم حياته فيظلم ويبطش ويكسر نفوسا محرومة، وينثر مالا بسفه ويحسب أن الكرم الذي زود الله حياته به هو حقه المستقطع ليفجر به ونسي أنه محاسب مُساءل.
يحب جميعنا المتعة والتمتع بكل ملذات الحياة لكن الفيصل حلال هذه الملذات أم حرامها؟
والمعيار بعدها هل التزم الإنسان منطق الدين والعقل أم سلم عقله للهوى وعبادة الذات وحينها يهين نفسه وحياته.
أنّى لحياة أن توصف ب”كريمة” وصاحبها سلم نفسه للاكتئاب والسقوط أسير العقد النفسية إذ لم يشكر نعم ربه ويعرف بقيمتها!!؟
أنّى لمسلم تعد حياته كريمة وهو لا يحمل من دينه إلا لقبا؟! فحُصِر الكرم في مال رخيص وإن كانت عملته غالية.
أنى لحياة كريمة لا تنجب فردا بلسان عاطر بحمد من جعلها كريمة وفعلا شاكرا للوهاب!؟
تحولت حينها الحياة الكريمة لحبل يلتف حول رقبته مُدينا لتقصيره من حيث يظن أنه قد فاز وظفر.
كريمة سادتي لا تعني أن نشنق الكرم إعداما إن لم ينفذ لنا أوامرنا ولاء وطاعة،
بل تعني أن نكرم أنفسنا بمنهجية الله حتى نطابق حياتنا كرما وكرامة.
احفظ كرامة نفسك ثم سل ربك حياة كريمة، وإن أكرمك بها فاعلم أنها ورقة اختبار لا شهادة تميز.

أ.د.فاطمة عبدالله عاشور
سيدة الوهج والحرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى