مقالات مجد الوطن

كل جمعة في جامع الفقهاء

 

د . ضيف الله مهدي

اليوم الجمعة الموافق ١٩ صفر ١٤٤٦هـ، وفي جامع الفقهاء في بيش خطب بالمؤمنين فضيلة خطيب الجامع الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم خطبة في غاية الروعة والجمال تناول فيها سلوك التفاؤل أو الفأل الحسن واستشهد بآيات الذكر الحكيم وهدي سيد المرسلين وبلاغة الحكماء وجميل الشعراء ، وكنت قد كتبت قديما موضوعا عن الهم والحزن ونشرته في الكثير من المواقع وأطلعت إذاعة القرآن الكريم السعودية جزءاً منه ، وعلقت به على خطبة الشيخ حسن اليوم :

لا تحزن إذا أرهقتك هموم الحياة

ومسّك منها عظيم الضرر

وذقت الأمرين حتى بكيت

وضجّ فؤادك حتى انفجر

وسدّت بوجهك كل الدروب

وأوشكت تسقط بين الحفر

فيمم إلى الله في لهفة

وبثّ الشكاة لربّ البشر

ما زال آدم وحواء ينجبون الذين يرسمون البسمة على شفاه الحزانى ، ويحيون الأمل في نفوس المكروبين ، الخير باقي والشر باقي والغلبة في النهاية للخير وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ..

ابتسم وازرع الأمل والتفاؤل في قلبك ونفسك ، وما يهمك الناس ، فمن راقب الناس مات هما ..

قال : السماء كئيبة وتجهما

قلت : ابتسم يكفي التجهم في السما

قال : الصبا ولى ، فقلت له : ابتسم

لن يرجع الأسف الصبا المتصرما

قال : التي كانت سمائي في الهوى

صارت لنفسي في الغرام جهنما

خانت عهودي بعدما ملكتها

قلبي ، فكيف أطيق أن أتبسما

قلت : ابتسم واطرب فلو قارنتها

قضيت عمرك كله متألما

قال : التجارة في صراع هائل

مثل المسافر كاد يقتله الظما

أو غادة مسلولة محتاجة

لدم ، وتنفث كلما لهثت دما

قلت : ابتسم ما أنت جالب دائها

وشفائها ، فإذا ابتسمت فربما

أيكون غيرك مجرما ، وتبيت في

وجل كأنك أنت صرت المجرما

قال : العدى حولى علت صيحاتهم

أأسر والأعداء حولي في الحمى

قلت : ابتسم لم يطلبوك بذمهم

لو لم تكن منهم أجل وأعظما

قال : المواسم قد بدت أعلامها

وتعرضت لي في الملابس والدمى

وعلي للأحباب فرض لازم

لكن كفي ليس تملك درهما

قلت : ابتسم يكفيك أنك لم تزل

حيا ، ولست من الأحبة معدما

قال : الليالي جرعتني علقما

قلت : ابتسم ولئن جرعت العلقما

فلعل غيرك إن رآك مرنما

طرح الكآبة جانبا وترنما

أتراك تغنم بالتبرم درهما

أم أنت تخسر بالبشاشة مغنما

يا صاح لا خطر على شفتيك أن

تتثلما ، والوجه أن يتحطما

فاضحك فإن الشهب تضحك والدجى

متلاطم ، ولذا نحب الأنجما

قال : البشاشة ليس تسعد كائنا

يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما

قلت : ابتسم ما دام بينك والردى

شبر ، فإنك بعد لن تتبسما

سئل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكرم الله وجهه ورضي عنه عن أشد خلق الله سبحانه وتعالى فقال: الحجر ، والحجر يكسره الحديد ، والحديد تسيخه النار ، والنار يطفيها الماء ، والماء يحمله الهواء ، والإنسان يتقي الهواء ، والسكر يغلب الإنسان ، والنوم يغلب السكر ، والـهم يغلب النوم . فالهم حالة نفسية وجدانية تقلق الإنسان فتأرقه فتذهب عنه النوم ، ومع ازدياد الـهم تسوء حالة الإنسان النفسية والصحية .. وكل إنسان يحمل قدرا من الـهم ، ولكن يختلف هـم كل إنسان عن إنسان آخر . فالعالم له هـمومه ، والتاجر له همومه ، والسياسي له همومه ، والطالب له همومه ، وربة البيت لـها همومها ، وكل شخص له همومه الخاصة .. فبعض الناس يتغلب على همومه والبعض الآخر تتسلط عليه الهموم حتى تشيب رأسه . وازاء هذه الهموم يجب أن يسلك الإنسان ما يخفف عنه الهموم ويبعدها ، والاّ سوف يصبح معرضا للأمراض النفسجسمية ، والجسمية ، والنفسية وتجد بعض الناس يشعرون بالتعب ويشكون الألم والمرض ولا يعرفون سببا لذلك ، وسبب ذلك بعض الهموم التي يعيشها ولم يعرف كيفية تخفيفها أو لم يجد من يخفف عنه تلك الهموم ، ولو أن كل واحد فكر وقدر وتصرف التصرف السليم وناقش همومه بينه وبين نفسه لخفت عنه تلك الهموم بإذن الله. ويكمن علاج الهم في الإيمان بالله سبحانه وتعالى .. فمن أرجع أمره إلى الله واتكل عليه ورضي بالمقسوم والنصيب لكان خيرا له . فمن كان همه في الرزق واكتسابه فان الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، وما على الإنسان إلاّ أن يتسبب ويسعى في طلب الرزق ، والله سبحانه وتعالى يقول : { وفي السماء رزقكم وما توعدون () فورب السماء والأرض انه لحق مثل مآ أنكم تنطقون } ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ) ويحث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الرجل على كسب رزقه فيقول :

وما طلب المعيشة بالتمني

ولكن ألق دلوك في الدلاء

تجئك بملئها يوما ويوما

تجئك بحمأة وقلــــيل مـاء

ولا تقعد على كل التمني

تحيل على المقدر والقضاء

فان مقادر الرحمن تجري

بأرزاق الرجال من السماء

مقدرة بقبض أو ببســط

وعجز الــمرء أسباب البلاء

وإذا أزداد الهم والغم والكرب والحزن على الإنسان فعليه اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، ويا صاحب الهـمّ : لا تَغْفَل عن القرآن ولا تُغفِل مصدر الفَرَج وأصل السعادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصاب أحداً قط هَمٌّ ولا حُزن ، فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتِك ، ناصيتي بِيَدِك ، ماضٍ فيّ حُكمك ، عَدْلٌ فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ؛ إلا أذهب الله هَمّه وحزنه وأبدله مكانه فرجا ) . فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : ( بلى ) . ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها . رواه الإمام أحمد . وعندما وقع النبي الكريم يونس بن متىّ في البحر وابتلعه الحوت كان ينادي الله سبحانه وتعالى في الظلمات { لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأنجاه الله من غمه وهمه وحزنه .

ربّ العزّة سبحانه أخبر عن نفسه بأنه { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } قال عليه الصلاة والسلام : من شأنه أن يَغْفِر ذَنْباً ، ويُفَرِّج كَرْباً ويرفع قوما ويخفض آخرين . رواه ابن ماجه . قال عبيد بن عمير : مِن شَأنه أن يُجيب داعيا ، أو يُعْطِي سائلا أو يَفُكّ عَانيا ، أو يَشْفِي سقيما . وقال مجاهد : كل يوم هو يُجِيب داعيا ، ويَكْشِف كَرْباً ، ويُجِيب مُضْطَراً ، ويَغْفِر ذنباً . وقال قتادة : هو مُنْتَهَى حاجات الصالحين وصريخهم ، ومنتهى شكواهم . ومن لُطْف الله وفضله وعظيم مِنَّتِه أنه لا شِدّة إلا ويَعقبها فَرَج وما من كَرْب إلا ومعه التنفيس وقد يبتلي الله عباده ليَظهر منهم صِدق العبودية وليجأروا إلى الله بالدعاء ومِن جُوده وكرمه سبحانه وتعالى أن هيأ لِعباده أسباب النجاة وأنْ دلَّهُم على طُرُق الخيرات وجَعَل له نَفَحَات ، وأمَرَهم أن يتعرّضوا لِتلك النفحات . ففي الحديث : (افعلوا الخير دَهركم ، وتَعَرَّضُوا لنفحات رحمة الله ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، وسلوا الله أن يَستر عوراتكم ، وأن يُؤمِّن روعاتكم ) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في شُعب الإيمان . وقال الهيثمي : رواه الطبراني ، وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير ، وهو ثقة وهو سبحانه وتعالى يُخاطِب عباده كل ليلة ، فيقول :هل من سائل يُعطى ؟ هل من داعٍ يُستجاب له ؟ هل من مُسْتَغْفِر يُغْفَر له ؟ حتى ينفجر الصبح . كما في صحيح مسلم وروى محارب بن دثار عن عمّه أنه كان يأتي المسجد في السحر ويَمُرّ بِدَارِ ابن مسعود ، فسمعه يقول : اللهم إنك أمرتني فأطَعْتُ ودعوتني فأجَبْتُ ، وهذا سحر فاغفر لي . فسئل ابن مسعود عن ذلك فقال : إن يعقوب عليه الصلاة والسلام أخَّرَ الدعاء لِبَنِيه إلى السَّحَر فقال : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ) . فيا صاحب الهـمّ ..اعلم أن الفَرَج مع الكَرْب وأن مع العُسر يُسْرا .

يا صاحب الهم إن الهم منفرج

أبشر بخيـــر فإن الفـارِج الله

اليأس يَقْطَع أحيانا بصـــــاحِبِه

لا تيأسَنّ فـــــإن الكـــافي الله

الله يحدث بعد العُسْر مَيســـرة

لا تجزعنّ فـــإن الصَّـانِع الله

وإذا بُلِيتَ فَثِقْ بالله وارضَ به

إن الذي يَكْشِف البلوى هو الله

والله ما لَك غير اللهِ مِن أحَـــدٍ

فَحَسْبُك الله .. في كــلٍّ لكَ الله

وأصدق منه وأبلَغ قوله عليه الصلاة والسلام : ( واعلم أنّ في الصبر على ما تَكْرَه خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر ، وأن الفَرَجَ مع الكَرْب ، وأن مع العسر يُسرا ) .

عن أبي العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : ( يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات : احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) . وفي رواية: ( احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك،واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).

وفي رواية: ( يا فتى ألا أهب لك ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن، واعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).

تفاءلوا بالخير تجدوه واطردوا التشاؤم والهم والحزن واليأس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى