مقالات مجد الوطن

قراءات نقدية في قصص سعودية

 

✍🏻 د / رشيدة محزوم

 

القصة الأولى “101”

قصة “101” للقاص أحمد القاضي كتبت بالألم باستخدام أهم التقنيات الأدبية و هي الاستعارة ، فهذا التشويش الذي حصل للسارد و هو في مكتبه أثناء ممارسة طقوسه من توضيب المكتب و جمع القصاصات الفارغة و ترتيب الأقلام في المحبرة وكذا مسح الغبار عن أطراف المكتب و فتح شباك الغرفة .سوى اضطرابا في عقله الباطن .

إن المبدع أحمد القاضي وظف الشخصية كونها تعاني من السجن الحقيقي الذي يعلن عنه السارد في آخر الجملة (السجين 101)

لقد استخدم المبدع أحمد القاضي الرمزية المعبرة عن سعة الخيال في القصة لتعبر عن الحقيقة النفسية للسجين الذي يحمل رقم 101 إذ كان في غيبوبة حلم يقظ ، إذ تلك الأعمال الروتينية الجميلة التي كان متعودا عليها من توضيب مكتبه لم تكن سوى تخيل في وسط الحقيقة التي يحياها ، يقول القاص أحمد القاضي (( أخذ عكازه وتقدم للباب، وقف أمامه و تذكر أنه مقفل منذ أسبوعين أو ثلاثة ، تقدم للنافذة فلم يجدها ، نظر لمكتبه فلم يجده بحث عن أقلامه و أوراقه ليس لها وجود .الحقيقة الوحيدة ذهب و تلمسها بيديه ووجدها ، باب بأعمدة حديدية و عبارة على بزته ( السجين 101) .

إن القصة لا تخبرنا عن سبب السجن ، لكنها ترمينا إلى استقراء سبب السجن من خلال دوال المكتب و القصاصات و الأقلام وكلها دوال على الفكر و المعرفة ، لنخلص أن السجين 101 ليس إلا ضحية لفكره ، فالأفكار المختلفة و المنزاحة عن السائد مصيرها السجن ، لكن هذا السجن هل هو واقعي أم رمزي .

إن القصة منفتحة على كل الاحتمالات .

 

القصة الثانية ” أماني مكبوتة ”

إن الرجل أيضا يكتب نصا أنثويا ، فالكاتب وليد كاملي استطاع أن يجعل من السرد بأن يكون على لسان الانثى ، فأنث اللغة و هو يفكك اللاوعي الجمعي للمجتمع الذكوري . نستشف ذلك من خلال أمنية الساردة حيث تقول : (( كنت أتمنى أن أتزوج من حلواني الحي لأنني أشعر أنه سيعاملني كقطعة حلوى )) .

ودلالة هذه الأمنية تحيل على الانا الساردة التي تختزن تلك الصورة النمطية للرجل بشكل عام ، وهي صورة التسلط و القسوة ، لذا فهي تمنت الحلواني لما يدل على الرقة و الليونة في التعامل مع الحلوى لكي لا تتشوه ، فربما حسب تمنيها سيعاملها كما يعامل الحلوى ، أي معاملة الرقة و الليونة لكي لا تتشوه هي أيضا ، وما هذا التشوه سوى انكسار أنوثتها

وينجح القاص وليد كاملي في فضح الواقع الذكوري بجملة سردية لخصت كل القيم و التقاليد التي تمنح للرجل كل مفاتيح تسلطه . تقول الساردة : (( عموما أنا الآن محض معاملة ورقية في يد مدير صارم ))

بهذه الجملة يكون المبدع منع عن ذاته الكاتبة الخوض في كل الجمل الدالة على مصطلحات الكتابة الأنثوية في استعراضها للفكر الذكوري الرجعي ، وتم اختزال آلاف الجمل في متتالية سردية تتكون من 11 كلمة فقط ، تجعل من المتلقي استعراض الفكر الذكوري ، فهذه المتتالية السردية (( عموما أنا الآن محض معاملة ورقية )) ، نعرف من خلالها أنها تزوجت الحلواني وصارت بحكم عقد الزواج مجرد معاملة ورقية تحت إمرة الزوج الصارم الذي هو المدير الصارم

تتفجر أنثوية هذا المبدع / الرجل بجملة سردية أيضا تتألف من 11 كلمة (( هكذا عرفت بنفسها لجارتها التي شرفتها بزيارتها الأولى و الأخيرة )) .

إن المبدع وليد كاملي يعرف خبايا الأنثى من هذا البوح من الساردة إلى جارتها ، فليس أمام المرأة بشكل عام حين تمتلئ حزنا إلا بالشكوى و البوح . و يجعل المبدع من المتلقي يستشرف على ما لم تحكه الساردة بلفظة (( بزيارتها الأولى و الأخيرة )) لنتساءل عن قصديته ب”الأخيرة” ، هل سيمنع الزوج الحلواني على الساردة أن تستقبل جارتها عندها في البيت ، أم أن الساردة ستوقف هذه الشراكة و تستقيل من إدارة هذا المدير الصارم .

إن القصة تجاوزت كثافة القصيدة و تجاوزت حدود انسيابية الحكي لتؤسس أمكنة لإبداع جديد ينزاح عن التقريرية ويجعل من الرمز أفقا لتلقيات تكشف عن دلالات لا نهائية . لتتفجر الكتابة الأنثوية ومرة أخرى ينكتب النص المذكر على ساردة مؤنثة ، (( قالت له : شعورك بالفرح حين أحفظ قصيدتين للثبيتي وثالثة لنزار يشبه شعوري حين تلاحظ بيجامتي الجديدة

إن المبدع وليد كاملي في سطرين يختزل صراع الرجل و المرأة ، ذاك الصراع الذي يرى في المرأة عقلا ناقصا ما دام لا ينفتح على الثقافة و الفكر ، ورجل الساردة تصوره على أنه يفرح إذا ما حفظت شعر الشعراء ، لكن هي ماذا يفرحها .إن فرحتها في تلك التفاصيل الصغيرة الذي يتغاضى عنه الرجل ، ففرح أنثى قصة “أمان مكبوتة” يتجلى فقط في انتباه رجلها على بيجامتها الجديدة .

يلفظنا الكاتب دائما بجمله ذات الكثافة الإبداعية نحو دلالات يفرضها النص على المتلقي الذي يطرح السؤال التالي :

متى يعترف الرجل أن للمرأة عالما رقيقا مؤثثا بأنوثة تتطلع إلى الاعتراف به .

إن نصوص المبدع وليد كاملي فعلا حققت تماهي الذكورة بالأنوثة برؤية عميقة تؤسس لعلاقة جديدة بين الرجل و المرأة

 

القصة الثالثة “المهانة”

أصبحت الكتابة عند المبدعة العربية مكانا خصبا للكلام و مكانا للبوح عن تجاربها . وإذا كان الأدب النسائي انزياحا عن السائد ز انزياحا كذلك على الفكر النمطي الذي سجن المرأة في التقاليد الرجعية و الفكر الذكوري الصارم الذي يطوق المرأة في الخنوع السلبي . فإن هذه القصة المعنونة ب “المهانة” نجده تكرس هذا الفكر الذكوري المتمثل في أساطير الجدات التي سوى استمرارا لإديولوجية الثقافة الذكورية التي تعاقب الفتاة إذا ما خالفت الأوامر . فأصوات القصة كلها أنثوية ماعدا مذكرا واحدا و هو “النباش” الذي يحمل كل فتاة و لا تعود إلى بيتها بسبب العصيان . فالكاتبة لا تفصح عن سبب عصيان الشخصية ، فقط بجملة يائسة رأيها الأخير عن مصير كل فتاة عصت ، حيث قالت لصديقتها فاطمة وهي ساردة النص (( صدقت يا فاطمة ، صدقت وصدقت كل أساطيرنا ، هربت خارج البلد فصرت مهانة ، صرت ذليلة ، أرجوك أبلغي كل النساء و الفتيات ألا يكذبن أساطيرنا و يعملن بها ))

تقودنا قراءة هذا النص إلى نهاية كل امرأة كذبت الأساطير ، وهذه الأساطير من صنع الثقافة المذكرة التي تحرم على المرأة إيجاد حياتها كما تصممها من خلال تجاربها الخاصة ، و إذا ما حاولت الثورة يكون النباش في انتظارها لمعاقبتها

إن الكاتبة وعد الحربي جعلت الأفق سوداويا لكل فتاة حاولت الانزياح عن السائد و حاولت تفكيك الأساطير المذكرة التي تسجن المرأة . وهذه رؤية ذكورية للأسف صادرة عن كاتبة امرأة .

إن الكتابة عند المرأة هي تفجير للطاقات المكبوتة و الانطلاق نحو الحرية التي تؤكد إنسانيتها بعيدا عن الخنوع ، فالإهانة الحقيقية هي الخضوع السلبي و الانطلاق هو نهاية كل امرأة حررت نفسها بالفكر و المعرفة و الحرية نشدانا لحياة جديدة بعيدة عن القيود و الأغلال سواء كانت أساطير أو فكرا ذكوريا . /

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى