مقالات مجد الوطن

(جحيم L.A)

 

النار .. مخلوق من مليارات المخلوقات التي خلقها
الواحد الأحد، وجعلها الله عذاب الإنسان في الآخرة لمن يختار الكفر والضلال ولأصحاب الذنوب، وللنار فوائد في حياتنا الدنيا إن صلح استخدامها في شؤون عدة ما بين الحياة اليومية والصناعات المختلفة والأمور العلمية والعملية، لكنها ولاشك شر يفتك بالبشر والمنشآت والبيئة في أحوال أخرى.
مدينة لوس انجلوس في كاليفورنيا الولاية القابعة في جنوب غرب أمريكا -والمعروفة بحرّها الشديد صيفا واعتدالها شتاء- تقف الآن على كارثة حقيقية من اندلاع حرائق عملاقة منذ الثلاثاء الماضي مما تسبب في دمار أكثر من ١٦ الف فدان وخسائر اقتصادية تصل إلى ١٣٠ مليار دولار.
وكثرت التكهنات والتصريحات حول أسباب هذه الكارثة فالمحصلة هي:
*إعادة اشتعال حريق بدأ في ليلة رأس السنة بسبب الألعاب النارية.
*تأثير طقوس شيطانية منبثقة من قصر مهجور مشهور هناك .
*نظرية المؤامرة وتفسيراتها فهناك الغزو الفضائي خاصة بعد الأطباق الغريبة التي ظهرت قبل أسابيع، وهناك غزو مخلوقات باطن الأرض وهناك احتمالات ترفع أصابع الاتهام نحو أشخاص وجهات ومنظمات بل حتى تتهم التراشق الانتخابي وأهله.
*تأثير التغير المناخي الذي أدى لرفع درجات الحرارة والاحتباس الحراري وحدوث الجفاف الشديد وانقطاع المطر.
*الأسباب التقليدية من إهمال البشر وقصور المسؤول وأسباب حرائق الغابات المعهودة بل حتى أنه تم نسبة اتساع رقعة الحريق إلى طائر الحدأة الذي يعمل على زيادة النيران من مكان إلى مكان بنقل الغصن المشتعل ورميه وقد حذر منه نبينا الكريم عليه السلام وأمر بقتله.

أسباب وتكهنات وتخمينات في حريق بدأ من جبال سانتا مونيكا في أكبر دولة على خريطة العالم، أعاصير النار تستعر وتلتهم وتدور كشياطين راقصة في مشهد شبهه الكثير بالجحيم وتنبأ آخرون بأنه بداية نهاية العالم.
والمسلمون انقسموا بين صامت متفرج وآخر يستجير بالله من هذا المشهد المخيف وغيرهم ممن اعتبروا هذا الحريق جند من جنود الله أُرسل بمعاونة جنود أخرى مثل الرياح والجفاف والتغير المناخي وأمور أخرى لا منطقية إلا بقدرة الله، كلها تكاتفت لتنفيذ هذا العقاب للغطرسة الأمريكية.
كثير من أحبتنا في غزة وغير غزة من المدن والدول التي عانت من بعض تبعات القرارات الأمريكية ومن يحبهم ويدافع عنهم حتى من غير العرب والمسلمين اعتبروا هذا الحريق ردا إلهيا على كثير من الكبر وخاصة على توعد ترامب بجحيم في الشرق الأوسط.
كما عبروا بآلاف الرسائل في وسائل التواصل بأن هذا هو العدل الرباني انتقاما لأهل غزة وأطفالها.
والحقيقة أن قصور الأجهزة البلدية وأجهزة الإطفاء أمر مثير للعجب في مدينة الأثرياء والمشاهير، فالصنابير لا تفتح أو ماؤها قليل أو جفت الصهاريج.
والأثرياء استعانوا برجال إطفاء من شركات خاصة مما أثار حنق وحفيظة باقي السكان.
ومن كان أمس يتشدق ضد الأبرياء في غزة أو غيرها اليوم يبكي على قصره المتفحم.
والإدارة الأمريكية في حالة ذهول وصدمة وليس لديها ردود مقنعة حيال الأمر برمته.
الحقيقة كل سكان الأرض تنظر بشكل مندهش ولا تخلو نظرة من شماتة وأخرى من تشفي وثالثة من تعجب ورابعة من ترقب، فلربما فعل النظام الأمريكي أفاعيل كثيرة أججت هذا السخط الشعبي في بعض الدول والأعراق.
أذكى نار هذا السخط وما رافقه من شماتة عجيبة تشدّق بايدن بأن “لا شيء يفوق أمريكا قوة” وتوعد ترامب للشرق الأوسط بالجحيم وأقاويل مستهترة هنا وهناك ضد غزة من بعض المشاهير الذين احترقت قصورهم، الحصيلة النهائية هي قراءات متباينة بعضها مغلف بالهدوء والرزانة وأغلبها مدجج بحنق مكبوت من بعض أفعال الأنظمة الأمريكية عبر العقود.
بل حتى من مواطنيهم من عبر عن إقراره بسوء الفعل الأمريكي في كل الكرة الأرضية.
فهذه الانا حديد مؤثرة في وسائل التواصل تصرح بأن كارثة النيران ماهي إلا من صنع يدهم وانعكاس طبيعي لما فعلوه في غزة، هذا ماجاء في تصريحها.
والعجيب أن أنظمةالمطافئ أسقطت المارد الأمريكي المتعجرف من عرشه، فدهش العالم ذاك القصور لبلد القوة النووية الأعظم عن مواجهة “نيران”!
وعلق بعضهم ساخرا بأن لو تم صرف الملايين التي صرفت على الأسلحة والتسليح على الأنظمة البلدية لاستطاعوا فتح الصنابير وإطفاء النيران!

الدولة الأقوى في العالم تقف عاجزة عن إيقاف مارد النار الذي انطلق بلا عقال بين الغابات والأحياء فأكل القصور الشاهقة وفحّم البيوت السامقة وسحق العربات الفارهة، وما نفعُ السباق النووي وسباق الفضاء وسباق التقنية إن خسروا مسابقة الرياح وأعاصير النار!؟
الحقيقة المشهد يذكر بشكل مباشر بهيبة الله إذ فوق كل قوة الإنسان توجد قوة الهية لا يقف أمامها أحد إن أراد الله شيئا بعزته ومشيئته.

نحن كمسلمين قد أنعم الله علينا بهذه الشريعة وهذا المعتقد الذي يقوم على نبذ الشماتة ومعرفة حقيقة الابتلاء وقوانين التغير في الكون، لذا من الحصافة ألا يشمت المسلم في أي أحد ولأي سبب.
وقد يكون لكل هؤلاء الشامتين عذر في غضبهم نظرا لكل ما تم ذكره وقد يكون ماحدث عقابا أو ابتلاء أو ردا من رب العالمين، وقد يكون تسخيرا لإبطال الغطرسة والكبر وقد يكون تضافرا لعوامل طبيعية عادية مع كثير من القصور في الأنظمة الاطفائية، أيا كان ما حدث فكل القراءات فيها وجهة نظر والناتج النهائي ألا شيء يكون إلا بعلم الله وتدبيره أما الغرض منه فعند الله العلم فهو أدرى به وأعلم.
وبالطبع ندعو للمسلمين هناك بالنجاة والحفظ كما نرجو إنسانيا للأبرياء منهم أيا كانوا دينهم وملتهم أن يرفق بهم المولى اللطيف ونكرر ونزيد دعاءنا لأحبتنا في غزة وللمسلم في كل مكان بالصلاح والخير .

فقط يلوح لي سؤال وينقر في سقف فضولي بمكر:
كيف نستطيع تقبل هذا المشهد لمدينة تصنع لنا مئات الأفلام سنويا عن عظمة وبراعة المخلِّص والمنقذ الأمريكي الذي ينقذ الكوكب في اللحظة الأخيرة من مخلوقات الفضاء وتوابع الأرض وهلاك المجرات!!
كم مللنا وأصابنا السأم من المارفيل والسوبر والباتمان والهايبر والقوى الخفية الأسطورية والتي تروج لأفكار السحر والخوارق، ترى أين هؤلاء الأبطال الآن لإنقاذ الأرواح والممتلكات!
هذا التناقض بين رسالة السيادة التي ظلت السينما الأمريكية تبثها في عقولنا وعقول أبناءنا لعقود طويلة ولاتزال فتشعر كل الشعوب بالدونية أمام عملاق الأرض، بينما خذلت الصنابير وفشلت الاطفاءات في احتواء وتحجيم لهب بدأ وانتشر من غابة مجاورة!؟

ألا يجعلنا ذلك نعيد النظر في إدراك منابع القوة ومعناها الحقيقي، تحت شعار:
” أصلح الصنبور والصهريج قبل هزيمة زحل وتطويع المريخ” ودمتم .

أ.د. فاطمة عاشور
سيدة الوهج والحرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى