د.سعود المصيبيح
(احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة).. هذا المثل جدير بأن يكتب بماء الذهب لأن كثيراً من الصادقين الأنقياء الطيبين يقعون فيه.. فيأسرهم شخص بكلامه الجميل وأسلوبه اللين وتقاربه في الأفكار والهموم والتطلعات والتجارب فنقترب منه ونسلم له ذواتنا وأفكارنا وأسرارنا ونضع رؤوسنا بحنان وتعلق وارتياح على أكتافه ونعطيه أدق الأسرار وأخصها من النوع الذي ينوء بحمله الجبال، ويصبح الملاذ الدنيوي بعد الله في هذه الحياة المكفهرة المليئة بالصعاب.. وبعد كل ذلك من القرب والعاطفة والوضوح والصدق والبوح تفاجأ بعد سنوات بأن هذا الصديق انقلب كالحرباء، وأن بوحك وصدقك وأسرارك سلمتها لمن لا يستحق، وأن الوجوه تبدلت والآراء تغيرت وأنك أصبحت مكشوفاً ضعيفاً متهاوياً لأن ذلك الصديق انقلب عليك، وهتك خصوصياتك وباعك لغرض من أغراض الدنيا، لأنه استخدم صداقتك وأسرارك وبوحك وطيبتك ونقاءك لكي يستغلها وقت الضرورة، وها هو يفعل ويردد “اللي تكسب به العب به”، ودع عنك العواطف فإنها لا تؤكل خبزاً وتكتشف كم كنت غافلاً حينما سلمت نفسك لإنسان يفتقد للأمانة والنبل وأنه ليس إلا مراوغ متقلب متلون، انقلب فجأة متوهماً بالمثل البليد الذي يقول: (اتغدى به قبل أن يتعشى بي) وعندها على الرغم من الشعور بالمرارة والهزيمة والحسرة.. إلا أن هذا الدرس المؤلم فرصة لك لكي تفيق، وأنه على الرغم من الغدر والخيانة فإن الشمس لا يمكن أن تحجب بغربال، وأن عزيمتك وطيبتك ونقاءك هي التي ستنتصر في النهاية.. وعليك بالصبر ثم الصبر ثم الصبر وألا تستعجل مستقبلاً بالثقة بمثل هذا ممن يقدمون مصالحهم على مبادئهم، وعندما تريد أن تختبر أي صديق مستقبلًا اطلب منه قرضاً مالياً فمن يبادر ويندفع لنجدتك فاقترب منه وأمن جانبه حتى وإن كنت متردداً نحوه.. أما الذي يماطل ويقدم الأعذار فابتعد عنه حتى وإن كان كلامه معسولاً وصحبته تبدو جميلة. ولهذا احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة وصدق من قال ذلك.