شعر الأستاذ /أحمد هادي دهاس
هزَّني الشوق إلى الماضي النضير
عنـــدمــا كنت بدنيــــــاي صـــغــــير
ذلك العهــــد الــذي عــشنـــــاه في
راحـــــــةٍ تترى وسعدٍ في الصـدور
إيه يا تلك الصّبــــاحـــــــات فما
فيهـــــا قد كان بـديــعــــاً ومــــثير
إن تجـــــــلّى الليل بالنــــور ترى
في شهـــور البــرد نيــــرانا تــــنير
ورجــــالا ونســــــاء تصطـــــلي
بمســـاقيـــــد تــــزيل الـــزمــهــرير
بعــدهــا نشــــرب قهــوتْنــــا إلى
أن يحن وقت وميعــــــــاد الفطـــور
بـمغــشٍّ فيــــه تبـــــدو عـــــزبة
ذات طــعــــــم مـــالــه أي نــــظيــر
وســـــليـــــط وقـــطيبـــــا وكــذا
حقنــة كُجــت بــأوقــــات البـكـــــور
يا زمـــــانا فيــــه كنا نغتـــــدي
نرعى بالأغنــام في المرعى الخضور
ونقضِّي الــــوقت أنســــــا وبه
نُسمـــع الضـــــأن زميــــرا وصـفـير
أو نحنِّب لـــقــــــنــانٍ فلـــــهـــا
درقٌ ننصـب في الــــرمـل الـــــوثير
وقُبيل الظهــــر نسقي هوشنـــا
من ميــــاه الــوادي أو مـــاء الغدير
ونعـــد نحــــو منـــازلْنــــا وفي
حضنهـــــا نهنــــأ بالحــب الكبـــــير
كل فـــرد فيـــهــــــــا يزهو بأب
ولـــه في كـل أمــــــــر يـســـتـشـــير
وبــــأم يتبــــــــاهى ولهــــــــــا
يدعـــو بالتــــوفيق مـــــولاه الــقدير
يا زمـــــانا فيــــه كنـــــا نهتني
بغــــداء طــعــــمــــه يا صـــــاح غير
فحــواسي الدخــن تشجي وكذا
جغــــرة اللحـــم وقرصــــــان الخمير
ويلـــــذٌّ الأكـــل يا صـــــاح إذا
وُضع المحشـــوش في قلب الحصير
نتغدى في طـــــرارحـْــــنا وإن
أُبصر الجــــــارحــــلفْنـــا أن يـٌــغير
ليشـــــــاركْنا غــــدانا ويزد
في جـــوانحْنــا بلـــــقيــاه الحبــــور
آه يا تلك العــــصـــــاري فلكم
فيهـــا قد رحنـــا وشــدّينــــا الحمير
ووردنــــا بــزفــــــــــاف وإلى
بئــرنـا العــــذبة جدّينـــــا المســـــير
ثم نمضــــي لبــــــــــلاد فنرى
فيهـــا من يبذر في الـزّهب البــذور
ونرى النســــــوة يصربن بها
عــــذقـا كيمــــا يحصٍّلن الأجــــــور
ورجــــالا قد تهــــادوا وغـدوا
يخبــطــــون الحب في سفح الزبير
يا عـــصار فاتنــــات قد مضت
وابتســـامـــاتُنــا تبدوا في الثغور
كم لعبنـــــا بالمــــداويـــم بهــا وبلعـــب المـــزقـــــرا فيهـــا كثير
كم تكبـّثْـنـــــا وكـــيَّـنَّـــا وكم
قد رجمنا البهش واصطدنا الطيور
كم على العقلة في العصــر بدا
يرفــع الأعـــــلام جمهــــور غفير
كم تجلت فــــرقة النجــــدة كم
زحــل أدهــش بالـفــن الحـضـــور
كم بدا البـــاطل يحي صائحـــا
يطرب الأسماع بالصوت الجهــور
وعلي العبســــيِّ كـم راح وكـم
من ســعـــادتـْــه بـغتْـرتْه يـُـشــيـر
آه يا تلك المســـــــاءات و يــا
قمـــــرا فيهـــــا ونجْمــــــاتٌ تنير
وعشـــــاء فيهــا دوما يزدهي
بثـــريــدٍ أو مفــــالتْ في قـــــدور
أو على مــرزوم ينْعشْنــا كمـا يجعـــل العقـــل من الطعـــم يطير
أو حــليبٍ بـقـــريٍّ يُحـــتسَــى
في صحاف مع قِرصــــان الخضير
يا ليـــــال قد سرينــــا في هنا
نلعب الســــاري على نور البُدير
تشهـــــد العــقـلة باللِّـعب لنا
فيهــــا أزمـــانا على طبــــل وزير
كم أقمنا فيها من هـــــودٍ وكم
رقــــص السيـفَ صـــغيرٌ وكــــبير
وزواجــاتنــــا قـــد كان بهــــا
لنـــــا في بيـش أمـــــور وأمـــور
فيها يا صاحبي لم نشْـك ضَنى
لا ولم نشـــكُ غـــلاءً في المهــور
تمكث الأفــــــراح أيّامـاً وفي
كل وجــهٍ حاضرٍ يبدو الســــــرور
كم سمـــرْنا ورقصْنـــا وعلى
كل هامـاتنــــا قد زان الخــطــــور
وبُعيــــد اللِّعب نلــــقى راحة
ومنــــامــــا فــوق شـــبريٍّ وثـيــر
ليتني يوما إلى الماضي أعد
وأعــــد يومـــــا إلى ركب البـعيــر
ليت أيام الصِّبا ترجع كي
أتـهنـــّــى وأعـــشْ فيــهــا قــــرير