مقالات مجد الوطن

ليل

 

محمد الرياني

لم يفتح الستارة من غرفته بالطابق الثاني منذ زمن ، تحت النافذة يقبع جهاز تلفاز بشاشة كبيرة، اعتاد أن يكون سريره قريبًا منها ليرى بوضوح، بين الشاشة والسرير توجد طاولة خشبية مستديرة يضع عليها إبريق الشاي وكوبًا زجاجيًّا يصبُّ فيه بين فترة وأخرى، يحبُّ أن يرى العالم من خلال هذه الشاشة ويتأمل الثعابين الضخمة والوحوش في الغابات والصراع من أجل البقاء، كلُّ شيء في الغرفة جميل؛ السرير الأبيض الناعم بمحتوياته، المكتبة الصغيرة التي يعود إلى قراءة كتبها عندما يغلق الشاشة أو يصيبه الحنين لشذى الأوراق، ويقلب الذكريات الجميلة التي عاشت وعشعشت في ذاكرته لغرفة عتيقة، تُطلُّ النافذة على فناء قديم به بعض أشجار النخيل والأزهار الفواحة، وتتناوب على الحضور فيه بعض القطط للراحة والبحث عن طعام، سئمَ هذا الوضع، قرر أن يفتح الستارة ليرى العالم الصغير، لايوجد في الفناء مايشجع على النزول بسبب الظلام، قرر النزول على الرغم من كل هذا، أخذ معه فراشًا ولحافًا ووسادة، نزل إلى الفناء، وجد سريرًا من الحديد، ألقى عليه الفراش، رمى نفسه رميًا، تنفس بعمق وكأنه يتنفس لأول مرة، شعر بأن حِمْلًا ثقيلًا قد انزاح عنه، نظر إلى النجوم وإلى بعض قطع السحاب التي تتحرك في السماء، بعضُ القطط لاتزال عيونها تبرق في الظلام، تذكَّرَ أنه كان يراقب العالم من خلال شاشة، تألم وهو يرى العالم الصغير من حوله في فناء الدار، هبّتْ نسائم من الباب الجنوبي المفتوح على مصراعيه، عاد ليتنفس بعمق، نادى بصوت مرتفع من أسفل أن التحقوا بي لتروْا مالم تروه ، فُتحت النافذة من جديد، أطلوا عليه من فوق وهم يبتسمون، ماذا جرى له الليلة؟ أصرَّ عليهم بأن ينزلوا، طلبَ منهم إحضار إبريق الشاي وكؤوسًا على عددهم، جاءوا إليه ومعهم وجبة العشاء الشعبية المفضلة، انتظموا جلوسًا حوله بينما رمت البنت الصغيرة نفسها على صدره، بات يحكي لها ولهم حكاياتٍ عن الليل والنجوم والحيوانات، تناولوا العشاء بلا إنارة، أقبلت القطط على رئحة الأكل، قدَّموا لها البقايا في طرف الفناء، غسلوا أيديهم في سطْل قديم ثم أحضروا بعض الأوراق الزكية لتغيير الرائحة، أغلقوا الباب الخارجي للبيت، باتوا يوزعون النظر لرؤية الليل وعالمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى