مَقَالٌ جَدِيد رَائِعَة أُخْرَى مِنْ رَوَائِع مدرستنا الحبيبة د . سَامَح أَبُو النِّيل . الْخَمِيس ٢٠٢٠/٦/٠٤م . كَمْ مَرَّةً سَأَلْت نَفْسَك عَلَى شَيْءٍ مَا وَتَكُون إِجَابَتِك ثَابِتَةٌ لَمْ تَتَغَيَّرْ بِالرَّغْم أَنَّ الْإِجَابَةَ تَحْتَمِل شِقَّيْن وَأَنْت لَمْ تُجَرَّبْ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَطْ وَلَمْ تُجَرَّب الْإِجَابَة الْأُخْرَى وَلَمْ تَعْرِفُهَا أَصْلًا . قَد يَتَّضِح الْأَمْرُ أَكْثَرَ بِالْقِصَّة التَّالِيَة . جَدِّة أُمِّي . أَيْ أُمُّ أُمِّ أُمِّيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ جميعاً وَعَلَى جَمِيعِ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِين . كُنَّا عِنْدَمَا نزورها نَأْخُذُ لَهَا قَفَص بُرْتُقال بَلَدِي “نستخدمه فِي مِصْرٍ العصير” ولكنها تحب اكله جداً . فَجَلَسْت أَعْوَام عَدِيدَة حَتَّى نِهَايَةٌ عُمْرِهَا تقريباً عَلَى هَذَا الشَّكْلِ . الْجَدِيد بِالذِّكْر أَنَّهَا عَاشَت قَرَابَة الْمِائَة عَام . عَلَى أَيِّ حَالَ عِنْدَمَا كَانَتْ فِي فِرَاشٍ الْمَوْتِ طَلَبَت بُرْتُقال . طبعاً يَعْلَم الْقَاصّ وَالِدَان إنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بعشقها البُرْتُقال الْبَلَدِيّ . فَلَمْ تَجِدْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَحَدُ أبناؤها مُشاغِب جداً . قَالَتْ لَهُ خَدّ الْفُلُوس وَهَات لِي قَفَص بَلَدِي وَتَأَكَّد مِنْ الْبَائِعِ وَأَسْأَل أَلْفَ مَرَّةٍ وَتَأَكَّد أَنْتَ تَعْلَمُ لَا آكُلُ السُّكَّرِيّ طِيلَة حَيَاتِي . فِكْر المشاغب ابْنِهَا وَقَال خليها تُجَرَّب السُّكَّرِيّ قَبْل وَفَاتِهَا و تَقَارَن . وَجَاء لَهَا بقفص بُرْتُقال سُكَّرِي . وَكَانَتْ أَوّلَ مَرَّةٍ فِي حَيَاتِهَا تَرَاه وتلمسه وتتزوقه وَجَاء لَهَا بِهِ وَهِيَ جَائِعَةٌ جداً . وَكَمَا قَالَ جُحا عِنْدَمَا سَأَلُوه مَا هُوَ أَجْمَلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ فِي حَيَاتِك قَالَ الَّذِي أَكَلَتْه وَأَنَا جَائِعٌ . فَجَلَسْت تَأْكُلُ مِنْ السُّكَّرِيّ وَاحِدَة تِلْوَ الأُخْرَى حَتَّى أَتَمَّت آخَر حَبَّة بُرْتُقال سُكَّرِي بالقفص . فَسَأَلَهَا ابْنِهَا آيَة رَأْيِك بالبرتقال قَالَتْ لَهُ أَحْلَى بُرْتُقال أَكَلَتْه فِي حَيَاتِي . قَالَ لَهَا كُوَيِّس كُنْت خَائِفٌ البُرْتُقال السُّكَّرِيّ يتعبك . جَلَسَت مصدومة لِفَتْرَة وَجَمَعْت كُلّ أبناؤها واحفادها وَقَالَت لَنَا جميعاً . كَيْف لَكُمْ أَنْ تحرموني قَرْنٌ مِنَ الزَّمَانِ مِنْ هَذِهِ الْمُتْعَة وَالْجَمَال وتتعبوني بِطَعْم البُرْتُقال الْبَلَدِيّ الْمُرّ . انْتَهَت القَصَّة مَعَ جَدّة أُمِّي . رَحِمَهَا اللَّهُ . أَلَا تَرَى أَنَّ تِلْكَ الْقِصَّةِ تَتَكَرَّر مَعَنَا يومياً عِنْدَمَا نتعود عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَوْ كَانَ خَاطِئٌ نتمسك بِهِ مَعَ الْعِلْمِ إِنَّكَ لَمْ تُجَرَّبْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ تَعْرِفْهُ أَصْلًا . بِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْخِيَارُ الْآخَرُ أَفْضَلَ وَبِكَثِير . وَالتَّجْرِبَة خَيْرٌ بُرْهَان . قَد تُحَاوِل الْإِصْلَاحَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وتستمع مِنْ طَرَفِ وَاحِدٍ وَتَحَكُّمٌ . هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ فَقَدْ تَكُونُ حُجَّةً الثَّانِي أَقْوَى وَحَتَّى لَوْ أَضْعَفُ مِنْ حَقِّكَ أَنْ تُسْتَمَعْ لِلرَّأْي وَالرَّأْي الْآخَر . بِاَللَّهِ عَلَيْك لَا تَقَرَّرَ إلَّا إذَا كُنْت تَعْلَمُ جيداً كَيْفَ صَنَعَ الْقَرَار وَمَا هِيَ ملابساته بَعْدَهَا قَرَّر وَاِتّخَذ الْقَرَار الْمُنَاسِب . قد تتخذ الحكومات والدول والاباء … إلخ قرارات لا تعجبك بالرغم من أنه من الممكن جداً بل اكاد أن أجزم أنه في غالبية الأحوال ستتخذ أنت نفس القرار إذا كان لك سلطة اتخاذ القرار فلربما لا يوجد خيار آخر ولربما لا تتمنى أن تكون في هذا الوضع كان الله في العون . قَدْ يَكُونُ اتِّخَاذِ القَرَارِ أَسْهَل بِكَثِير جداً مَنْ صَنَعَ الْقَرَار . فَصَنَع الْقَرَارَ مِنْ الْعَدَمِ أَمَّا اتِّخَاذِ القَرَارِ يَكُونُ بَيْنَ بَدائِل متاحة . فَاسْتَفِد و تَرَيُّثٌ . وَلَا تتسرع و لا تتعجل . وَتَذَكَّر دوماً عِنْدَ اتِّخَاذِ أَيْ قَرَارٍ فِي حَيَاتِك وَتَأَكَّد هَل “البرتقال بَلَدِي أَم سكري”
بقلم د . سَامَح أَبُو النِّيل . الْمَنْصُورَة . مصر*