بقلم “علي الجبيلي “
للأماكن حضورها ونكهتها ومعالمها النفسية لدى الشخص..
وينبغي أن تكون أكثر حضورا لمن يقدرون معنى الفلسفة في أعمالهم كالمهندس والمعماري والمؤرخ وباحث الآثار والفنان العازف والشاعر والإعلامي
واذا لم يجد هذا المختص هذه المشاعر في نفسه فهو يفتقد روح الموهبة والفن في تخصصه وعليه أن يبحث له عن وسيلة عمل أخرى تحاكي رغباته الداخليه وتوجهاته النفسيه وتتوافق مع ميوله ودوافعه الذاتيه.. لكي يحقق النجاح
قد تذهب إلي أكثر المواقع الطبيعية أو التاريخية إثارة للنفس والذاكرة وتأثيرا على قدرة التأمل… وتنبهر بها أياما أو أسابيع ثم تبدأ الأمور بالتلاشي والخفوت من الذاكرة.. وهذا أمر طبيعي لأنه متعلق بأمر مادي عابر قد تعيد شريطه للذكرى
واذا دخلت إلي مكان أو موقع مقدس كالمسجد الحرام أو المسجد النبوي أو حتى احدالمعالم الإسلامية المشهورة
فإنك ستكون أكثر استكانة وخشوعا واذلالا لأن الروح سكنت المكان والزمان فتعلقت نفسك بكل هذه المؤثرات التي طالما تستعيدها ذاكرتك بكل أريحية وبهجة وسعادة وتتوق نفسك مرات ومرات إلي هذا المكان
تخيل أيضا أن تذهب لمواقع يسكنها التاريخ وناس من بعضك وأهلك بقي لهم أثر أو رحلو… ستتعلق نفسك ببقايا أنفاسهم وذكراهم وتاريخهم وفقا لتخصصك المهني أو رسالتك العملية التي قادتك إلي تلك الأماكن فتعيش اللحظة في حضور عميق وذهول لا نهاية له…
هكذا خيلت لي في قرارة نفسي بعض المواقع التي ذهبت إليها بالجسد والروح
فعاد جسدي من مهمة التنقل والترحال وبقيت روحي تسكن المكان والزمان والإنسان…
ذلك أن طبيعة عملي المهنية الإعلامية غرست في نفسي ان تتفحص كل تلك التفاصيل والشخوص والذكريات الماثلة أمامها لمعرفة كنهها وتاريخها ومرادها…
_فرسان الجزيرة والإنسان والتاريخ إحدى هذه المحطات التي استوقفتني مهنيا كثيرا
ولم اتوغل في هيبتها الاجتماعية والتاريخية والإبداعية الا بعد ان زرتها مرات ومرات وتفحصت مااظنه ادق التفاصيل عنها حتى اكتب عنها بتجرد وادون بعض من ملامحها الاجتماعية والتاريخيه
كل جزء جغرافي في جازان المنطقه تزوره مرة أومرات.. ستجده مدهشا ومختلفا أو فيه ماهو مختلف في عوالمه عن الآخر ويدعوك إلي التمحيص والتدقيق والدراسة والتأمل
و فرسان العمق الأبعد تعقيدا جغرافيا ولكنه اقرب الي العقل والقلب
تنقلت في أزقتها المرجانيه واجدرتها الصخرية المهيبة
وعشت جميع أوقات حركتها وصخبها أو راحتها ونومها
واستمتعت بنكهة كشنة الصباح السمكية في مطاعمها
وضحكات المسنين في حوانيتها
واستمعت إلي ألحان فنانيها وقوافي شعارها
وتأملت انسدال أشعة الشمس الذهبية على سعفات انخلها عند المغيب وعند الأصيل فشكلت تلك اللحظات لوحة شعرية تتراقص في مخيلتي
وذهبت للقرى البعيدة ببيوتها البيضاء الأنيقة وانخلها الشامخات وشاجني صمتها وبكاءها وكأنها تناجي أبناءها الذين رحلو منها وهجروها
وشعرت وكأن الأقدار قد ساقتني إلي السواحل الشمالية لدول المغرب العربي على الأطلسي بيوت من جير وجص بلون البياض الفاخر وخطوط زرقاء كأنما تخاطبك أن البحر بلونه السماوي لا تقل هي عنه جمالا وبهاءا
اما الأجدرة الحجرية الصخرية في قرى صير فهو عالم من الدهشة والروعة والجمال يسافر بك بعيدا بعيدا في التاريخ وكأنك تعيش أزمنة قد تصرمت منذ آلاف السنين وبقيت ذكرى أهلها من الصيادين والغواصين والنواخذه وغيرهم باقية خلفهم للأبد…
تأملت كل ذلك في ذهول ودهشة.. والعبارات تخنقني
من أي كوكب اتيناك أيتها الشامخة القابعة في عمق البحر أيتها ال فرسان
ومن اي أبواب العشق
دلفت ختب الشهباء واباطوق والدومات
إلى عقلي
وكيف حاصرني هوى المحصور
وشدني ضوء السيد من بعد
والهمتني نخيل القصار على عجل
ونادتني قماح الا إن صير خاصرتي وزفاف معشوقتي وليالي الأهازيج من عمري…
من صهوة اي جواد نفاث هبطنا على أرضك أيتها الشاعرة..؟!!
كل شئ فيك مختلف وله عالمه المتفرد الخاص به هل تصدقين ذلك حينما احاكيك أيتها الحكيمة الصابرة المتأنية..؟!!
اما بعد فأسمحي لي أن اغادرك لمدى يسكن اليم المتلاطم رعبا لأبعد منك ولأتاكد أن ثمة عوامل وأشياء أجمل منك على ظهره اليابسة العائمة
وان عوالمه ستثير مشاعري وتخطف قلبي أكثر منك…؟!!
قالت على رسلك أيها المغرور فمن هو أبعد مني ليس بأجمل مني..
والذي اقسم بالعاديات ضبحا…
وبالبحر المسجور فلو وصلتها خيلك وهبطت في بيداءها وإن سكنها جسدك فلن تسكنها روحك كما سكنت في فؤادي
وإن اعجبتك الغاديات الفاتنات منهن _الرائحات والغوادي…فلا تغرنك معجبة منهن
فليس من كن مبرقعات الحسن في حاضرة أو بالبوادي
أكثر حسنا من الحسن الفرساني..
فالتاع قلبي لشجن فرسان الشاعرة والمغردة وسيدة البيوت
وارتاحت نفسي التواقة للعشق لعزف المستكى والبخور يجول عبقه طربا في حواريها ويجود بعطره في بواديها
ووميص العنبر بالظفر يلمع في مفارق حسانيها
و اللؤلؤ يغمر ضوءه ترفا يطوق بالجيد أعناق المها بيها..!!
وتذكرت اشجان البحارة وأغاني العشاق… ووله المنتظرين
وعزف الشعار والمسافرين
فأردت أن أعبر لها بآخر مشاعري إليها لأودعها واسكن حسرة الحب بين اضلعها
طول المدى
و اهازيج فرح الجراحيح تحط على أغصان ارائكها
و الحريد يقدما بالسعد في شواطيها
والعرسان ينشدون بسيد الجمال في ركابها برك والا مابرك..
فقلت حينئذ في وله المشتاق كما قال لها الهوى
” فرسان ”
قالت نعم…؟!!
قلت انا قتيلك
قالت أيهم فهم كثر..؟!!!
فقلت لها لوشئت لم تتعنتي
ولم تسألي عني
وعندك بي خبر
فقالت لقد ازرى بك الدهر بعدنا
فقلت معاذ الله بل أنت لا الدهر
بقلم “علي الجبيلي “