محمد الرياني
يهربُ قسرًا من مُتتاليةِ أسئلتها، تُطارده وهو هاربٌ لا يريد الفكاك أو النجاة من الهرب ولكنه هكذا يفعل، لا يحبُّ أن يرتكبَ في حقها إثمًا غير مبرر، أقسمَ لها أنه يحبها ولكنه يخشى أن يحمّلها طاقةً تندم عليها، مرغمٌ على التصدي لكل أسلحتها على الرغم من ضعفه وهوانه ، يعرف حقيقةَ نفسه المثقلة بالألم فهو أدرى وأعلم من أحاسيسها الدافئة، ليس بمقدوره أن يبوح لها بكل مكنوناته الدفينة فيلقيها في بحرٍ ميتٍ من الحب تلقي بنفسها فيه ولاتجد سوى أشباهَ مخلوقات نافقة لم تعش طويلًا، أو ملوحة زائدة ترسبت منذ أمد ، تشعر بما تعنيه له ومع هذا يصدقُ معها كي لا تندفع نحوه أكثر وأنه لن يستطيع إسعادها، بينهما مساحات شاسعة لن تستطيع اجتيازها بسهولة نحوه، يبدو التراجع بالنسبة له في غاية الصعوبة، يجعل عينيه للأمام وهي بالخلف فلا تلحق به ، ليلٌ طويل أمضاه هربًا من الحقيقة ، حقيقةُ العمر الذي مضى بسرعة ، والأوجاع التي تلازمه، يفكر في السراب الذي تطارده ويوشك أن يختفي بالتهام الأرض له وتعريفه واقع نفسه، أصرت على أن تعيش معه وأن يكون كلَّ يوم معها سيكون مثل العام وكل عام كالعقد ، قالت له لن أندمَ ولن تندم، عندما حانت ساعة اللقيا بها خارت قواها فجأة غيرَ مصدقة أنها أمام جبل من الحب ، أمسكت به وأمسك بها، وجدها نصفين أحدهما حيٌّ والآخر بلا حراك، بكى على صدرها أسفًا وهي في مقتبل العمر، وعدَها بأن يعيش العمر لها حتى يزهر نصفها، دمعت عيناها وتمتمت : لقد طُوِيت المساحةُ بيننا يارفيق عمري ، يكاد عمري يلمس عمرك.