محمد الرياني
تركَ على الأرضِ مخلفاتِ إصلاحِ دراجته ،آثارُ بقعِ الزيتِ والزيتُ الأسودُ المحترقُ وبعضُ القطعِ تشوِّهُ المكان ، أدارَ المحركَ فانطلقَ الصوتُ لتخرجَ أمَّهُ من الداخل ، قالت له : لم يُتعبْني أحدٌ في ولادته مثلك ، إخوتُك خرجوا إلى الدنيا بسهولة ؛ رؤوسهم إلى أسفل وأنتَ قَدَّمتَ قدميك مع الولادة ، والآن أشغلتني بهذه الدراجة ، حرَّك محركَ البنزين فانطلقَ من مُؤخرتها صوتُ فرقعة ، دخلتْ إلى البيت لتتفادى الإزعاج ، لحقَ بها وهو يضحك ،قبَّلها على رأسها ، انبرت سنُّه الناتئةُ وهو يضحك ،قالت : إلى أين أنتَ وسنُّك متجهًا الآن ؟ خرجَ فرحًا مستعجلًا ، وَثَبتْ من بوَّابةِ العم (علي) شاةٌ فاصطدم بها ، خرَّت بلا حراكٍ على الأرض ، تَجمَّعُوا حولَه وهم يُخَوفونَه بصاحبِ الشاة ، ألم تجد إلا شاة عمك عليٍّ لتدهسها بدراجتك الصدئة هذه ؟ لم يرتجف ولم يلقِ بالًا لتهديدهم ، طالبوه بالاعتذار والذهاب لتقبيلِ رأسِ صاحبِ الشاة ، عاد إلى أمِّه يخبرها بمافعل فولولت ، أخفى دراجتَه خوفًا عليها ، وَصلَ الخبرُ لصاحبها ، زمجرَ وتوعد ، هذا الذي سنُّه تخترقُ شفتيه يُميتُ أغلى شاةٍ عندي !! جاءَه مَن يخبره بأنَّ صاحبَ الشاةِ يتعقبه ليعاقبه ، انتظرَ حتى يهدأ ويبرد الجوُّ فيذهب إلى الظلِّ الذي يجمعه بندمائه ويعتذر ، أقبلَ نحوَهم فرأوه قبله ، قالوا له جاءك صاحبُ الدراجة ، اتجهَ نحوَه مسرعًا ليقبِّل رأسَه دون مقدمات ، نهضَ نحوه ليبطش به فحال دونه الحاضرون ، لقد جاءك معتذرًا والشاةُ ستأتي بعدها شاة ، هدأ وعاد إلى حيث يجلس ، قالوا له: الآن قبِّل رأسَ عمِّك عليٍّ ولاتكرر هذا الفعل ثانية ، ضحكَ ثم ارتبكَ وهو يقرِّبُ فمَه من رأسِ صاحبِ الشاة ، اصطدمَ فمُه بمقدمةِ الرأسِ الأصلع ، طارت مع الدمِ السنُّ الناتئةُ وقد تركت علامةً في محلِّ القبلة ، هربَ وتركَ سنَّه في الميدان الذي اجتمع فيه الندماء ، أرادَ أن يلحقَ به فأثنوه وطلبوا له معقِّمًا فوضعوه مكان الجرح البسيط ، عادَ إلى أمِّه بلا سِنٍّ ، قال لها : أُبشركُ بأنَّ سنِّي البارزة قد لحقتْ بالشاة ، صاحت مشفقة ، أرني فمك ياشقي ، الآن أصبحتَ أحلى وأجمل ، كبرَ الصغيرُ وحضرت سنٌّ في المكان الخالي ، احتفل العمُّ عليٌّ بعدَ زمنٍ ودعا أهلَ الحي ، تأنقَ وتعطرَ وذهبَ ليحضرَ الاحتفال ، قَبَّلَ رؤوسَ الحاضرين وتعمَّدَ أن يؤخرَ عمَّه علي ، وقفَ عنده فأخذ يتأمله في وجهه ، أليسَ هذا الذي شقَّ رأسي ؟ انثنى ونزلَ يقبلُ رأسَه ، عذرًا ياعمي ، إنَّ سنِّي التي انغرزت في رأسك قد دُفنت في الرمل حولك ، ضحكَ العم عليٌّ كما لم يضحك من قبل ، ألا تتركْ هذه الشقاوة ؟ عادَ إلى أمِّه ليخبرَها بأن صاحبَ الشاة قد رَضيَ عن الجميع .