مقالات مجد الوطن

لماذا لم تودعني؟

“أبي” .. ما زلت الآن الأقرب إليك ، نحن على الرصيف متقابلين .. ولا يفصل بين منزلي بهذه التي تسمى “دار الفناء” ومنزلك بـ”دار الخلود” سوى سور المقبرة.
لقد كنت أيضاً هذه المرة على عجل ، كما كنت تفعل دائماً ..!!
أعلمُ جيداً أن الموت على الرغم من قوته، وجبروته، يأتي متستراً، متوارياً، متدثراً بجلباب الصمت، ولا يطرق الأبواب المغلقة !!!
لكن ما لا أعلمه؟! هو أنه يكسر الجلد، ويغرس خناجر الألم في صدر كل من هو الأقرب إلى الوديعة التي جاء لأخذها.
يزرع كومة الأشواك حول الأفئدة ….
ويسكب المرارة في الأرواح المتقاربة المتآلفة….
ويمتص الفرح فيملأ مكانه الخاوي بالكآبة والرتابة …
ويعتصر العيون فيسكب مائها وبريقها.
حقاً !!! لقد كسرت مني برحيلك ألف سارية وسارية….
وأزال الفراق من المقل كل الألوان، والأحلام اللامتناهية.
وحينما سرت نسمات روحك الطاهرة بلا وداع ، انطفأت في داخلي جذوة الحياة،
وسكنت تراتيل السعادة،
وهدأت لوعة النجوى.
آه من لوعة الفراق،
وأوار الشوق،
إلى والد وصديق تلقفته أيادي القدر ….
لقد جمدت بصدري الذكريات،
وثقلت روحي بأحاديثنا التي لم تكتمل،
وذبلت مليون زهرة وهرة في خلدي.
برحيلك “ياسيدي” .. تكسرت مشاعري قبالة ساحل مظلم ،وحيداً ، هائماً ،مترنحاً ، ومكللاً بفداحة الخسارة.. .
وبالرغم من رحيلك … لا يزال صوتك وكلماتك كنوارس تحلق على مرافئ الحنين في داخلي.
نعم ، وذلك ليس “لكونك الأب فقط”..
بل لأنك كنت “الصاحب” و”الملازم” لي في نواعيس الليالي الطويلة الحالكة ،
وعلى جداول الصمت المطبق في قريتنا النائية المهجورة من معظم سكانها ،
فما عساني فاعل بعد فراقك؟!
أخجل “ياسيدي” كلما اخضلت لحيتي البيضاء بدموعي حزناً عليك ، و”أخجل” كلما عاب علي الناس الاختباء ، وكلما تواريت خلف “مأتمك” …
فما أنا فاعل؟
،،،،،،،أحتاج كما كنت دوماً لنصيحتك،،،،،،،
رحمك الله يا “أبانا” وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما
تأخر ، وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة ،
وألهمنا على وجع الفراق الصبر والسلوان.

* بقلم محمد علي خلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى