جاءتنا نسمة عليلة مع فجر جميل ، وصباح وضيء ، سمتها أمها مريم ، وكلنا نعيذها بالله من الشيطان الرجيم.
جاءتنا لتقول لنا : إن الحياة تأخذ منك بيد ، وتهبك بالأخرى ، غادرت مريم الأولى دنيانا ، وجاءت مريم الأخرى ، وكنا في انتظارها سنين طويلة ، كانتظار ذاك للمجدلية .
جاءتنا نسمة غشيت وجوهنا، ونغما شنف آذاننا ، ولحنا عبقريا ، وخالطتْنا ،ولم تتخذ من دوننا حجابا.
نعيش سنينا في جدلية الموت والحياة ، والأخذ والعطاء ،والمنع والمَنْح، والمحن والمِنَح ، وهكذا جاءتنا مريم؛ لتعلمنا معنى الحياة والعطاء والمِنَح والمَنْح .
جاءتنا وقد اتخذت مكانا قريبا ،ولم تنتبذ مكانا شرقيا ، حلت في سويداء الفؤاد ،ولم تمكث في مكان قصيّ ، جاءتنا ، وما تمنت أن كانت شيئا منسيا .
هذا البيت الذي حلق فيه طائر الحزن كثيرا ، وتمكّن من جوانبه ، واستوطن في أركانه ،جاءته مريم؛ لتهبه الفرح ،وتنشر عليه الحبور ،وتمنحه شآبيب السعادة .
هززنا بجذع الدنيا ؛ فتساقط علينا روحا جميلة ، وضحكة بريئة وصوتا عذبا .
شربنا من ذلك “السريّ” ، فكان عذبا فراتا سائغا شرابه ، روى غليلنا ، وأزال ظمأنا .
إنها مريم ، ستكون ورِعةً ،تقيةً ،كريمة ،كالأولى ، ونناديها : يا مريم أنى لك هذا ؟
نعم كله من عند الله ، إنه يرزق من يشاء بغير حساب ، ومَن قال إن الرزق هو في الطعام والشراب فقط؟! فتلك النسمة التي غشيتنا أعظم الرزق ، المستوجب لحمده تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر