قد تمر بك لحظات تكره الدنيا بما فيها وتود لو أنك ما سمعت بذلك الخبر الذي أقض مضجعك، واوجع قلبك، وآلم وجدانك، وهز مشاعرك. وخاصة عندما يأتيك نبأ فقد صاحب أو حبيب أو قريب ففي هذه اللحظة تتمنى لو أنك كنت معه عندما غادر هذه الدنيا، لأنه أحب الى قلبك من أناس كثير، ولذلك فما الفائدة من الحياة وقد تركها من تربطك به علاقة محبة وأُخوة قوية ولذلك عندما ظهرت في مخيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تلك الأوجه المشرقة، أوجه أولئك الذين استشهدوا عند جبل أحد كحمزة ومن معه من رفاق الأمس، فعندها قال نبينا صلى الله عليه وسلم بحسرة لا تُذبلها الأيام: ((أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب نُحص (سفح) الجبل)) رواه أحمد، وحسنه شعيب..
نعم هناك أشخاص لا تود مفارقتهم سواء أحياء أو أموات. كما قال بلال رضي الله عنه مستبشراً بقدوم الموت: غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه..
لقد فقدنا أخاً عزيزاً، وصديقاً حميماً، وحبيباً غالياً. إنه الأستاذ الشيخ حسن بن علي اللهاف. وأنا إن كنت استفرد بالكتابة عن هذا الرجل فذلك بمعرفتي له منذ فترة طويلة أيام الدراسة الجامعية. وكيف كان حاله ليس كحال الكثير من الشباب المغترين بشبابهم وصحتهم. بل كان نسيج وحده. قد عرفته والكل يشهد له بذلك عابداً زاهداً ورعاً، صادقاً صابراً، أميناً كريماً، كلامه قليل، وذكره لله كثير، محافظاً على صلاة الجماعة، ومداوم على السنن والنافلة، دائماً تراه بسام المحيا، ثابت الجأش، متحلياً بالسكينة والوقار، لا يستعجل الأمور، يعفو ويسامح، ويغفر ويصالح، يتغافل ولا يحاسب، ولا يحقد ولا يحسد. شخصية نادرة. هكذا عاشرته أثناء الدراسة الجامعية، نتمازح ونضحك سوياً، ونترقب للمستقبل الذي ينتظرنا، وأين يكون تعييننا..
ثم لما جاء للوظيفة فهو نعم الرجل القوي الأمين. وما أن نلتقي بعد فترة إلا ويأخذني بالأحضان ونتذاكر تلك الأيام التي قضيناها بسكن الجامعة. وهو كما هو لم تغيره الدنيا. بل رؤيته تزيدك أيماناً..
ولما سمعت بأنه قد أصابه داء الكورونا صرفها الله عنا وعن المسلمين ونقل للعناية المركزة وحالت بيني وبين زيارته تلك الاحترازات الوقائية، كنت أدعو الله تعالى أن يشفيه ويعافيه والمسلمين ولكن قضاء الله وقدره حال بين لقاءنا مرة أخرى في هذه الحياة. ولقد كدر خاطري عندما قمت لصلاة الفجر في أول أيام العشر فإذا بخبر وفاته رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وجعل ما أصابه رفعة في درجاته، وجمعنا الله به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
فمن لنا بمثلك يا أبا أسامة فأنت حسن في أقوالك، وحسن في أفعالك..
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. فالموت باب وكل الناس داخله. وإذا مات عزيز على أنفسنا تعزينا بموت رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام. فكل مصيبة بعده جلل..
✒️ إبراهيم بن عبدالله صاحب