___
تنوعت أغراض الشعر العربي القديم ، ما بين مدح وفخر وهجاء وغزل ووصف ورثاء … ، ويعتبر الرثاء من أهم أغراض الشعر ،وقد برع فيه العرب ؛إذ قيل للأعرابي : ما بال مراثيكم أصدق ما تقولون ؟ قال : لأننا نقول وأكبادنا تتقطع .
فقد القريب أو الحبيب أمر محزن ، فكيف إن كان المفقود ابنا ، فلذة من فلذات الأكباد ، فقد قيل للأعرابي ما تقول في موت الولد؟ قال :صدع في الفؤاد لا ينجبر أبدا.
أتناول في هذا المقال موازنة بين نصين في الرثاء وتحديدا في رثاء الولد، النص الأول لابن الرومي والثاني لمحمد عمر توفيق .
تباينت رؤية كلا الشاعرين لفقد الولد ، فكان القبول و الرضا عند محمد عمر توفيق ؛ إذ يراه قضاء وقدرا مسطرا منذ الأزل:
تاريخها المسطور من أحرف
قد مزجت من كل حي بدم
وعند ابن الرومي يظهر الجزع والحزن والتسخط:
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
يخاطب ابن الرومي –في قصيدته-عينيه:
بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
ويرى أن البكاء يريحه قليلا ، لكنه لا يجدي ،ويشبه ابنه بعينيه، لكن محمد عمر توفيق يخاطب ابنه المتوفى:
أحسنت يا بني فالحياة التي فارقتها موارة بالألم
فكرة ابن الرومي أن الموت أدى إلى شدة معاناته ؛ لأنه طوى ابنه ، وجعله بعيدا رغم قربه:
طواه الردى عني فأضحى مزاره
بعيدا على قرب قريبا على بعد
ويرى أن المنايا أنجزت وعيدها بأخذ ابنه ، الآمال أخلفت الآمال ذلك؟
أما محمد عمر توفيق؛ فيرى أن الموت راحة لابنه ، رغم أنه معاناة للأب ، ويرى أن الموت خير لابنه ؛ لأنه رحمة عليه ، لأنه ما ظلم وما جنى:
فإنه الرحمة في عقله على وليد ما جنى وما ظلم
برز الحزن بشدة لدى ابن الرومي ، ووصل به إلى درجة العجب ، كيف تحمّل قلبه ذلك الحزن :
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له
ولو أنه أقسى من الحجر الصلد
أما محمد عمر توفيق ، فقد نظر نظرة واقعية ؛إذ وجد في الموت راحة لابنه.
أكثر ابن الرومي من ذكر الموت ومرادفاته :المنايا ، حمام الموت ، الردى، وذكر محمد عمر توفيق : الآجال ، الموت.
اشترك الشاعران في إيراد كلمة واحدة وهي “طواه” عند ابن الرومي ، و” طوتك” عند محمد عمر توفيق.
الصور الشعرية كثيرة في النصين ، وهي أكثر لدى ابن الرومي ، ومن أمثلة ذلك :
تشبيهه لابنه بعينيه ، والاستعارة في “طواه الردى” و”أنجزت فيه المنايا وعيدها”
أما من نماذج الصور لدى محمد عمر توفيق تشبيهه الموت بالرحمة ، والاستعارة في ” طوتك” ، والتشبيه في البيت الرابع:
ما أسعد السالم منها إذا مر مر بها كالطيف أو كالنغم
ورد الطباق لدى ابن الرومي في “بعيدا ، قريبا” ، ” بُعد ، قُرب” ، ” أنجزت ،خلفت”،”وعيدها ، وعددها ” ؛مما أدى إلى إبراز المعنى ووضوحه ، كما ورد الجناس “تساقطُ ، تساقطَ”.
أما الطباق عند محمد عمر ،فقد حشده في البيت الأخير :”رضا ، قلى” ، “وصل ، هجر ” ،”لا ، نعم”.
كثر استخدام الأسلوب الخبري ،وكان ذلك مناسبا ؛ لأنه يخبر عن المشاعر وعاطفة الحزن لفقد الولد ،
ومن نماذج الخبر عند ابن الرومي:” ألح عليه النزف”، “توخى حمام الموت””طواه الردى”…
ومن الخبر عند لدى محمد عمر توفيق:”وودت لو أسرعت” ، “لكنها الآجال موصدة”، “فإنه الرحمة ” ، وأتى الإنشاء غير الطلبي “التعجب” في قوله : ما أسعد السالم!
مما سبق نجد أنهما نصان تناول غرضا واحدا، وهو رثاء الولد ، اختلفت رؤيتهما لفقد الولد ، ما بين جزع وحزن وتسخط لدى ابن الرومي ،وقبول ورضا محمد عمر توفيق الذي يرى أن ابنه انتقل من دار موارة بالألم- كما قال-إلى دار البقاء والخلود.
___
طارق يسن الطاهر