محمد الرياني
ظلَّ يسألُ نفسه ويكررُ السؤالَ ما إذا كان هذا الطائرُ الأبيضُ القادمُ من الفضاءِ قد سكنَ في عشٍّ بُنيَ على أشجارِ الأرض ، كلُّ الموحياتِ تقولُ إنَّ سحنتَه وسكونَه لاتتناسبُ مع الفضاءِ القريبِ من الأعشاشِ التي تتدلًّى على الأغصانِ التي ترتوي من الأرض ، هذا الطائرُ الذي يغرِّد بترانيمَ ساحرةِ غيرَ مفهومةِ لم تخرج حروفُها من جوفِ الأرض ، حَرَكَتُه التي تشبه حركةَ النبلاء ، الوشاحُ الأبيضُ الذي يتدثرُ به أو يلتصقُ به ، التفاتتُه التي تعبرُ عن روعةِ حسنِه وهو يلتفت ، الطيورُ الأخرى تلتفتُ بعيونٍ مضطربةٍ أو زائغةٍ أو غيرِ متناسبةٍ بينما هذا الآتي من مكانٍ آخرَ يفتحُ عينين آيتينِ في الإبصار ، تنشقُّ الأرضُ لتسقيَه وكأنها السماء ، وتهتزُّ الأغصانُ لِتحرِّكَ القَطراتِ نحوَ جناحيْه ليهربَ إلى حيثُ أتى وعلى متنِه رحمةٌ تزيلُ عناءَ السفرِ نحوَ الكوكبِ البعيد ، جاءَ يومًا لينيرَ المكان ، غنَّى بأروعِ الغناء لديه ، وقفَ تحتَ الظلِّ ليسلبَ العصفورَ هذا الجمال ، لم يفعلْ كما تفعلُ الطيورُ إذا أبصرتْ بندقيةَ صيَّادٍ أو شبحًا يطارها بل ازدادَ تألُّقًا وتحريكًا للأغصان ، استمرتْ عيناهُ مغمضتينِ لتكتملَ فرحتُها وهي ترى ذاتَ الوشاحِ تَمشي على الأرضِ أو تتحدثُ وتبتسم ، تضيءُ المكانَ بأنوارِها الباذخة ، تغمرُ المداخلَ البيضاءَ بنسائمِها التي تحملُها معها ، فتحَ عينيْه والعصفورُ الأبيضُ الجميلُ يغادرُ فضاء بصرِه إلى عالمٍ مجهول ، دفعتِ هيَ البابَ واتجهتْ نحوَ مشرقِ الشمس ، لم تكنِ الشمسُ ساطعةً كعادتِها ، السحبُ الماطرةُ تغطِّيها بعناية ، تَأكَّدَ له في ذلك اليوم أنَّ المَطرَ يُريدُ أن يُغرقَها كي تنثرَ مزيدًا من ألَقِها على البائيسن مثلَه ، لم تكن مُجرَّدَ مَخلوقٍ يَسيرُ على الأرضِ بكلِّ ثقة ، جاءتْ من الفضاءٍ لينسى لُغةَ الأَرضِ التي تسكنُ الأعشاشَ اليابسة.