محمد الرياني
يشعرُ بالجوع من بردِ الصباح، يبصرُ دخانَ تنّورِ جارتهم العجوز يتصاعدُ إلى أعلى، ينتظرها حتى تخبز وتترك التنور لبعضِ شأنها، يختبئ تحت جدارٍ قصيرٍ حتى موعد اقترابِ استواءِ الدقيقِ المخبوز، يأتي كالثعلب فيقلب الغطاءَ الموضوعَ على فوَّهةِ التنور، ينزعُ واحدةً من الفطائرِ البيضاءِ فيأكل من طرفها قبل أن يغادر المكان؛ بينما لسانه تدخلُ وتخرجُ من الحرارة، تراه فتعرفه فلا تفعل به شيئًا، ينسحبُ مثلَ لصٍّ يسرقُ لأولِ مرةٍ وهو يضحكُ على فعلته، دعت عليه مازحةً بأن يحرمه حبيبتَه التي سرقَ من أجلها الخبزَ من التنُّور، سمعها!! حدَّث نفسَه لقد سمعتني العجوز، ذهبَ إلى الصغيرةِ التي عصفَ بها البردُ مثلَه وهي تنتظره وتلعقُ السائلَ النازلَ من فتحةِ أنفها، تفرحُ بكسرةِ الخبزِ التي بقيت وراءه، ظلّت تأكل وتتلفتُ يمينًا ويسارًا خوفًا من أهلها، التهمتْها وهو يضحك عليها، همسَ لها وليس عندهما أحد ، لقد دعتْ عليَّ صاحبةُ الخبزِ بأن لانجتمع عندما تكبرين ، مسحتْ أنفَها بطرفِ ثوبِها وتركتْه لبقية البرد، كبرتْ وقد تحوَّلَ تنُّورُ العجوزِ إلى كومةِ رماد ، جاء إليها يطلبُ منها السماحَ عن فعلٍ فعله في الصِّبا، قالت وقد خطَّ كثيرٌ من الشيبِ خطوطَه البيضاءَ على رأسِها : إنِّي أمزح، سيُدفنُ كلامي عنك كالرماد؛ لكنها واستْه في حبيبتِه الصغيرة، أخبرتْه بأنها تزوجت غيره ، داسَ بقدمه على مكانِ السرقةِ واتجهَ يتْبعُ أثرَ حبيبته ، نظرَ إلى وجهها وإذا هو بلا جوعٍ أو معالم جوعٍ ولم يبقَ في أنفها بقايا برد، مسحَ دمعتَه الحرَّى وأنفَه ثم نفضَ يدَه التي سرقَ بها ، عاد إلى صاحبةِ التنُّورِ يطلبُ منها أن تنصبَ غيره ثم تشعله ، عاهدَها بأنه لن يسرقَ لواحدةٍ تتركه ثم تذهب لغيره.