محمد الرياني
استعصى عليَّ الزجاجُ من أن اخترقه؛ باستثناءِ حالاتٍ أمرقُ منها مع مرتدي الثياب البيضاء والزرقاء، طال الوقتُ وطال وأنا أنتظر، قال لي عبده خريزي بلباسِ وروعةِ التمريض : لاتقلق.. لاتقلق، كرَّرَها وهو يُطمئنني بأنَّ الأمورَ على مايرام، وأن الوقتَ الذي طالَ في غرفةِ العملياتِ سَيجلبُ لك السعادةَ فيما بعد، عن يميني يقفُ (عبدالله ملحان) الشابُّ المبتسمُ دومًا وهو يفعلُ الشيءَ نفسه، يدخلُ ويخرجُ لجلبِ الأخبار؛ بينما يروحُ ويجيء سعود كعباني في الممرِّ الطويلِ ويختفي أحيانًا دونَ سابقِ إنذار ، ولايخلو الممرُّ من إطلالةِ موسى حمزي ووجهه البشوشِ وهو يدعو بالسلامة، مع دعواتِ الفاضل محمد المعجمي ، خرجَ الطبيبُ العربيُّ مُبشرًّا بنجاحِ العمليةِ ، وأكملَ عقدَ التهنئةِ الدكتورُ الماهرُ ( فؤاد الحربي) بأنهم فعلوا في الوقتِ الطويلِ في نظري من أجلِ أن تعودَ الابتسامةُ كما كانت على الوجهِ البريء، وأن تخرجَ الحروفُ لتقولَ كلمتَها المعتادة، ويكرِّرُ الدكتور ( الخردلي) في أصيلٍ مختلفٍ أنَّ الأمورَ على مايرام ، تركتُ الابنَ (حسن) في غرفتِه بالطابقِ الثاني وعدتُ أحصي بلاسمَ الشفاءِ التي حضرتْ في مستشفى الأمير محمد بن ناصر لتصنعَ ابتسامةً أجملَ على أروعِ مُحيَّا ، في اليوم الثاني يُخبرني الدكتور فؤاد وأنا أنتظره أنه بصدد إجراء أربعِ عملياتٍ لآخرين ، يا الله!! أربع عمليات، توقعتُ أن يغادرَ بعدَ إرهاق، ولكنه أكملَ واجبَه المهني والإنساني ليطبعَ مسحةَ بلسمٍ أخرى تنهي المعاناة، أما الطبيبُ الأديبُ أحمد يعقوب فقد جاءتْ كلماتُه كالقطرِ القادمِ من السماءِ بعد جفافٍ على الأرض، قرأ عليَّ مايُشبه الشعرَ منثورًا بمفرداتِ الطب، كانت كلماتُه آخرَ وصفةِ بلسمٍ استمعتُ إليها في اليوم الثاني ، شكرتُه وحييتُه وكافةَ الطاقمَ مع التمريضِ الذي جعلَ جنباتِ ممراتِ المستشفى تتحولُ إلى حدائقَ ذات بهجة، هكذا بدا بلسمُ المستشفى ، كلمةٌ أطلقَها (عبده خريزي) أمامَ كاونترِ التمريضِ واستمرَّت فرحًا تضمِّدُ النزفَ الذي أضحى رقعةً بيضاءَ من الفرح.