محمد الرياني
تحتَ قمرِ الصيفِ يتكونُ رملٌ أمامَ دارنا، قبلَ أن يتجلى البدرُ ويرتفعَ كعملاقٍ يملأُ الفضاءَ أجلسُ على الرملِ القادمِ من جهةِ الغربِ من أماكنَ غيرَ معلومة، ألمسُ ذراتِ الغبارِ التي حطَّتْ رحالَها عندنا، تسكنُ في رأسي أسئلة، أفكرُ في الأجسادِ التي اصطدمتْ بها قبلَ أن تختلطَ بترابِ أرضنا، أصعدُ ببصري نحوَ القمر ، أظنُّه قمري وحدي وأنني الذي استأثرتُ ببدره لأخطَّ على الرملِ مساءاتِ التعب، ينادونَ عليَّ لأدخلَ وأغسلَ قدمي من ذراتِ غبارٍ غريبة، لم يسألوني عن قيمةِ القمر عندي، وعن الظلالِ التي بداخله وكأنها النقوشُ السرمديةُ التي تسكنني، اعتذرتُ بأنني سأزيلُ الغبارَ بالغبارِ لأطردَ وحشةَ الترابِ الهاربِ نحو ساقيَّ النحيلتين، جاء بدرُ الشتاءِ وقدمايَ تلمعانِ من برْده وبَرَدِه ، هطلَ المطرُ بغزارةٍ في يومٍ شاتٍ وليلٍ قارس، خشيتُ من أن تحجبَ السحبُ بدرَ البرد ، جلستُ على كومةِ الرملِ التي أحدثتُها في الصيفِ في ليلةٍ من الليالي، جاء القمرُ كعملاقٍ أكبر، تفرَّقَ السحابُ بعد أن سكبَ كلَّ مائه على الأرضِ وعلى كومةِ الرمل، ركَزْتُ على التلِّ الصغيرِ عودًا وفتحتُ بابًا صغيرًا ، تمنيتُ أن أسكنَ الكوخَ الصغيرَ لو كان أكبرَ ويسعني، طمعتُ أكثرَ برؤيةِ نورِ القمرِ في باطنِ التل الذي بنيتُه، صعدُ القمرُ أكثرَ والبردُ يشتدُّ وبدَني يرتجف، الوجهُ الآخر لقمرِ الشتاءِ دفعني لأنظرَ إليه من العتبة، سكنَ في رأسي قمران ، واحدُ كوجهِ الصيفِ والآخرُ كوجهِ الشتاء، ولَّى الليلُ ومعه البرد، نثرتُ ترابَ التلِّ على الأرض، عاتبتُ نفسي على العبثِ بالتراب، أطلَّ القمرُ من جديدٍ في ليلةٍ صافية ، همتُ على وجهي في بطحاءِ الوادي فوجدتُ غيري يُزيلُ الأشجارَ من مجرى السيل، يريدون أن يروا دائرةَ القمرِ دون حواجز.