مقالات مجد الوطن

أعلمه الرماية

 

أتناول بيتا من أَبياتِ الشعر المشهورةِ الِّتي يُضرَبُ بِها المثَلُ فيمَن يُنكِرُ إِحسانَ مَن أَحسنَ إليهِ، ويُجازِيه بِالإحسَانِ إِساءةً، وهو:

أُعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ فَلمَّـا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي
هذا البيت ينسبه بعضهم لمالك بن فهم الأزدي ، ونجده منسوبا إلى مَعْن بن أَوس المزني ، وهو الأرجح، وقد ورد ذلك في كتاب الحريري (دُرّة الغوّاص في أوهام الخواصّ)
لكن الرواية الصحيحة للبيت الأول هي :
أُعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ فَلمَّـا استد سَاعِدُه رَمانِي
يقول الحريري:
“الرواية الصحيحة فيه (استدّ) بالسين ، ويكون المراد بها السَّداد في الرمي، وقد رواه بعضهم بالشين المعجمة التي هي بمعنى القوة”.

ورواية اشتد مشهورة على ألسنة الناس
غير أن الرواية التي ترد في معظم كتب التراث- (اسْتَـدَّ) بِالسَّينِ المهمَلَة، مِن السَّدادِ وقد نبَّه إلى هذا كثيرٌ مِن أهلِ اللُّغةِ في مصنَّفاتِهم ، كالخليلِ بنِ أحمدَ في (العَين)، والجوهريُّ في (الصَّحَاح)، وابنُ مَنظورٍ في (اللِّسان) وغيرُهم .

أُعلِّمُه الرِّمايةَ كُلَّ يَومٍ … فلما استَدَّ ساعدُه رَماني”
في (لسان العرب) لابن منظور ورد أنَّ رواية (اشتدَّ) تصحيفٌ ، والتصحيف هو تحريف كلمة بتحويل وضع حروفها أو تحويل أحدها إلى آخر يُشبهه في الرَّسم.
قال ابن منظور :
” وأَما السَّداد بالفتح فإِنما معناه الإِصابة في المنطق- أَن يكون الرجل مُسَدَّدًا، ويقال إِنه لذو سَداد في منطقه وتدبيره، وكذلك في الرمي، يقال: سَدَّ السَّهْمُ يَسِدُّ إِذا استقام، وسَدَّدْتُه تسديدًا، واسْتَدَّ الشيءُ إِذا استقام

وقيل في مناسبة هذا البيت أنه كان له اولاد فجعلهم يتناوبون على الحراسة في كلّ ليلة، وكان اصغرهم هو المقرّب لديه ، فغار منه اخوته وكادوا له عند أبيه، فقالوا له انه ينام اثناء حراسته لك، فقام أبوه بالتخفّي للتأكد مما قاله أبناؤه عن ابنه الصغير ، فأحسّ الاخير بصوت فتناول سهمه وقوسه ليرمي، فناداه ابوه أنا ابوك لا ترمِ ، فأجابه يا ابت لقد بلغ السهم مقصده ورمى والده وكان السبب في موته

فَيَا عَجَبًا لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً
ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ
فَلَمَّا اسْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي
فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ
فَلَمَّا طَرَّ شارِبُهُ جَفَاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر
Tyaa67@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى