محمد الرياني
لا أعرف سرَّ الجدرانِ النائمة ، قال لي :إن الجدران ميتةٌ أصلًا بناها كائنٌ حي، في قرارةِ نفسي إن النهار يجعل الجدران تتوهج، لها أنفاسٌ كأنفاسِ الكائنات الحية، قلت له :إن اللون الأزرق يجعلها تشبه البحر عندما يتماوج والناس يطربون للأمواج، أو بلون العشب فيحسبها الفلاح سهلًا من العشب، دفعني أكثر لأفصح، اكملتُ له :بعض الجدران تضم أنفاسًا هائلة، ترمي النومَ من الشباكِ القريب كي يخرَّ صريعًا ومعه أحلام الليل، أطرقَ لي منصتًا، اعتدلَ في جلسته يسألني عن الجدران النائمة، اعتدلتُ مثله جالسًا، قلتُ له : إن الحُبَّ يصنعُ المعجزات، يرسم على كلِّ جدارٍ ألفَ بسمةٍ وبسمة، وألفَ ضحكةٍ وضحكة، يستدفئ عندها الذي يرتجفُ من بردٍ جاء به يحمله من الخارج، لاتستطيع أنوارُ الجدران أن تقاومَ الفرحةَ القادمة ، تنطفئ في نهارٍ مختلفٍ حتى يشبه الصباحُ المساء، خرج من عندي وهو يرتجف، يريد أن يذهبَ إلى جدرانَ نائمةٍ لينام في أحضانها، دعوتُه لينتظر حديثي الذي لم ينته بعد، تركني وخرج مسرعًا، لم يطلْ بقاؤه كثيرًا، عاد إليَّ يضربُ كفًّا على كف، جلس على المقعد ولايزال ساخنًا من جلسته السابقة، وجدني أتحسس سطح أحد الجدران، كان الجدار الرابع والأخير، قلتُ له : اجلس إلى جواري، دعنا ننفثْ أنفاسَ الحزنِ من حالِ الجدران، اقترحَ عليَّ أن نعيدَ طلاءها من جديد، ذهب ليشتري طلاءً وذهبتُ معه، عاد كلُّ واحدٍ إلى جداره، اختارَ هو لون البحر واخترتُ لون العشب ، حلمَ بأنه يتنفس من نسيمِ البحرِ وحلمتُ بأني أستنشقُ من أوراقِ الشجر ريحها العطر، صحونا ونحن في صحراء قاحلة لابحرَ فيها ولا شجر، نظرنا إلى الأفق الواسع ، لم نجد جدرانًا قريبة منا ولاطلاء ، لقد تبخرتِ الأحلام.